إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

المتجدد في جواب التحدي السند الصحيح للخطبه الشقشقيه لسيدنا أمير المؤمنين عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تصحيح المحقق السيد جعفر علم الهدى لسند الشيخ الصدوق في علل الشرائع للرد على من يستميت في إسقاطه
    وهو حدثنا محمد بن علي ماجيلوية , عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس ...
    قال السيد المحقق جعفر علم الهدى :
    :

    الطريق الذي ذكره الصدوق في علل الشرائع فيه ابن أبي عمير وأبان بن عثمان ، وهما من أصحاب الإجماع ، وقد أجمع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم
    ، لكنّ الكلام في من سبق عليهما وهو محمّد بن علي بن ماجيلويه ، فقد وقع الخلاف في توثيقه مع انّه شيخ الصدوق وأكثر الرواية عنه مترضياً عليه ، وهكذا محمّد بن خالد البرقي والد أحمد بن محمّد البرقي وقع الكلام في توثيقه ، فقد وثّقه الشيخ ، ولكن قال فيه النجاشي وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، نعم المختار وثاقتهما لقرائن توجب الاطمئنان بها.
    السيّد جعفر علم الهدى اهـ
    التعديل الأخير تم بواسطة وهج الإيمان; الساعة 08-05-2017, 01:20 AM.

    تعليق


    • الشيخ السني الدكتور حسن فرحان المالكي يستشهد بكلام الإمام علي عليه السلام في الخطبه الشقشقية في لقاء معه حيث قال :
      الامام علي مااستطاع أن يعمل شيئ الناس خلاص زاحت الأرض تحت قدمية وأصبح الناس مع زهرة الدنيا وزينتها كما قال في خطبه : " كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ " هذا في خطبه جميله للإمام علي اهـ

      https://www.youtube.com/watch?v=DzC8T6zbA90
      التعديل الأخير تم بواسطة وهج الإيمان; الساعة 14-05-2017, 10:50 PM.

      تعليق


      • الأديب :حسين علي الهنداوي عضو النادي الأدبي بتبوك وعضواتحاد الصحفيين وكتاب الانترنت العرب في :


        الأدب والنقد والحكمة العربية والإسلامية في العصر الراشدي بقلم:حسين علي الهنداوي//موسوعة أدب

        المجلد الرابع


        الباب الثاني الفصل الرابع
        خلافة علي بن أبي طالب
        35 – 40 هـ / 656 – 661 م
        الأعمال الفكرية :
        ساهم الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في وضع أسس علم النحو للغتنا العربية و له الفضل في تقسيم الكلمة إلى اسم و فعل وحرف و الأحرف المشبهة بالفعل و الأسماء الظاهرة و المضمرة .صنفت أقواله المأثورة في كتاب ( نهج البلاغة
        ) اهـ



        الباب الرابع
        أعـلام النثـر

        ازداد الاهتمام فــي عصر صدر الإسلام والعصر الأمـوي بالكتابة النثرية مـن خلال الحكـم والوصايا والرسائل والخطابة وقد برز في هذا العصر مجموعة من الخطباء والواعظين من أهمهم :


        3-علي بن أبي طالب : ولــد الإمام علي بن أبي طالب ونشأ في حجر الرسول عليه السلام وشهد الغزوات كلهـا إلا غزوة تبوك ، لقب بسيف الإسلام لشدة بأسه ، تزوج فاطمة بنت الرسول وغيرها فولدت له فاطمة الحسن والحسين ، ثم تولى الخلافة بعد أبي بكر وعمر وعثمان وكان لهم جميعا ظهيرا ومعينا بعكس ما أبدى الكثير بأنه لم يكن راضيا عن خلافته بويع بالخلافة عام(35)هـ وخاض معركتي الجمل وصفين وكاد أن يتغلب في معركة صفين على معاوية وجيشه لـــولا مكيدة التحكيم، استشهد بسيف عبد الرحمن بن ملجم الخارجي و هو يصلي الصبح فـي مسجد الكوفة . مـن أبرع الخطباء وأشعرالشعراء ، وأحكم الحكماء بعـد الرسول وقدجمعت خطبه وحكمه ومواعظه في نهج البلاغة ، وشرحها الشيخ محمد عبدو ، فهو عميق المعاني ، دقيق الأفكار، بعيد عن الاضطرابات والضعف ، واسع الخيال والآفاق ، لغته جاهلية صقلهاالقرآن اهـ

        تعليق


        • الداعية الدكتور خالد حسن هنداوي العضو المؤسس للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مقالته إذا كان البغاث يستنسرفي بلادنا دائما ... فمن وراءه؟!!

          د. خالد حسن هنداوي


          في حين عند ما يُسأل من يسمى العالم المرجع الشيعي الأمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء عن السياسة فيقول: أنا غارق في السياسة من مفرق هامتي و لا أحد يعترض عليه كما في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" ص : 13 وكان يستدل بكلام علي رضي الله عنه: (إن الله أخذ على العلماء أن لايقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم) اهـ

          تعليق


          • رؤية في أسلوب نهج البلاغة
            بقلم د.هيفاء بنت عثمان فدا:
            خصوصية النص :
            إنّ القيمة الأساسية للنص في خطب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ورسائله ، ماثلة في حضور الإبداع النصّي في النشاط الفكري والكلامي له على المستويَين : الشفهي والتحريري ، وتلك ميزة نادرة يتفرّد بها علي بن أبي طالب بصورة ملموسة .
            وهي مزيّة تجعله في المقدّمة من جميع كتّاب النصوص المبرَّزين ، ذلك لأنّ أولئك الكتّاب مثلهم مثل الرسّامين والنحّاتين الذين يصنعون نماذجهم بعد طول تأمل وتخطيط وممارسة ، وبعد مراجعات نقدية متواترة ، وصولاً إلى المحصلة الفنية النهائية على صعيد العمل .
            وكان الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بعفويته الثاقبة ، يباشر عمله الإبداعي الفوري ، فيأتي النص المرتجل ، مثل النص المكتوب ، آيةً في الإتقان والروعة .
            ومن الثابت أنّ جريان خطب علي ( عليه السلام ) على نحوه الباهر في طوله وقصره ، هو دليل على الفعالية الخارقة لعقل مبدع موهوب ، هو السيّد المؤكّد في عالم العقول .
            لا يمكن أن تتوفّر تلك الخصوصية لقوّة النص في المخاطبة الارتجالية ، وفي الكتابة لشخص آخر غير علي بن أبي طالب ، الذي انطوت شخصيته على علوم وفنون وقدرات عظيمة ، تتلاقح فيما بينها بجدليةٍ خِصبة .
            ورغم أنّ الخطاب عند علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) خطاب سياسي ، وفقهي ، وتربوي ، ووعظي في إطار معرفي مُحكم ، إلاّ أنّه ذو سمة رياضية ، ماثلة في بنية الخطاب الذي يتكامل نصّاً مغنياً .
            ولقد ارتكزت السمة الرياضية في البناء الأدبي للخطاب على دعامتين بارزتين :
            الأولى : هي في صُلب بنية الخطاب وعلاقاته الداخلية .
            والثانية : في خفاء المنهج ، أي في تنظيم فضائه .
            المقوّم الأوّل : هو المقوّم النحوي الذي يعصم الخطاب الأدبي من التحرّر الإنساني ، وبعض مظاهر اللانحوية التي قد يستكين إليها الوصف الأدبي والحماسة والارتجال ، وخاصّة في الخطاب الشفهي .
            إنّ أساس الخطاب في فعالية الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ من الناحية اللغوية ـ هو أساس نحوي ، ذلك لأنّ علياً ( عليه السلام ) هو واضع النحو العربي في منطلقه الأوّل .
            قال لأبي الأسود الدؤلي حين أعرب عن ألمه من شيوع اللحن على اللسان العربي : ( اكتُب ما أُملي عليك ) ، ثمّ أملى عليه أصول النحو العربي ، ومنها أنّ كلام العرب يتركّب من اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن معنىً ليس باسم ولا فعل ، ثمّ أملى عليه أنّ الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر .
            وفي خاتمة التوجيهات قال الإمام علي : ( يا أبا الأسود انحُ هذا النحو ) ، وهكذا أصبح عند العرب علم النحو .
            من هنا كان الأساس النحوي للنص في خطب الإمام علي بن أبي طالب ، يُؤمّن القاعدة المادّية لشبكة العلاقات الداخلية للنص ، التي يرتكز عليها البناء البلاغي للنص .
            ولا شك في أنّ تكامل الأساس النحوي والبناء البلاغي قائم ـ أصلاً ـ على المحور الفكري للنص ، وهو محور المعاني والدلالات .
            وإذ يستكمل الخطاب ( العَلَوي ) شروطه المادّية اللغوية ، وجماع علاقاته الداخلية ، فإنّه يستكمل الوحدة القائمة بين نصّية النص ـ بمعناها الأدبي ـ والفضاء الروحي للنص ، أي إنّ النص يتوفّر له البعدان الرمزيان للأرض والسماء في وحدتهما التامّة .
            المقوّم الثاني : فهو المقوّم الرياضي الذي يُستدلُّ عليه استدلالاً ، لأنّه لا يعبّر على نحو مباشر ، إلاّ بالنسبة إلى المتلقّي النابه .
            إنّ الذهنية الرياضية النشطة ، والمبادِهة لعلي ( عليه السلام ) ، تنعكس تأثيراتها على تعبيراته الأدبية ، بصورة الإتقان المحكم لعرض الأفكار ، وكذلك في تقديمه المتقن للبناء اللغوي والبلاغي للخطاب ، فالاتّساق الرياضي وارد في صلابة أفكاره ، وفي عظمة منطقه ، وبلاغته .
            ومردُّ ذلك ثابت في معرفته العلمية بالحساب ؛ تلك المعرفة التي كانت تكشف عنها سرعة البديهة في الجواب عن معضلات معقدة في المواريث والأقضية .
            وذاعت الفريضة المنبرية التي أفتى بها وهو على منبر الكوفة ، حينما سُئل عن ميّت ترك زوجة وأبوين وابنتين ، فأجاب من فَوره : ( صار ثُمنها تُسعاً ) .
            وشكّت ـ مرّةً ـ امرأة أنّ أخاها مات عن ستمائة دينار ولم يُقسم لها من ميراثه غير دينار واحد ، فقال لها بسرعة : ( لعلّه ترك زوجة وابنتين وأمّاً واثني عشر أخاً وأنتِ ) ؟ وكان الأمر كذلك .
            فمعرفته ( عليه السلام ) بعلم الحساب كانت أكثر من معرفة فقيه يتصرّف في معضلات المواريث ، لأنّه كان سريع الفطنة إلى طُرقه التي كانت تعد في ذلك الزمن ألغازاً تكدّ في حلّها العقول .
            وإنّ الدلالة المشتركة للمفردات وللتعبيرات ، والتي يشترك في قولها وفي فهمها جمهرة الناس ، مثقفين وغير مثقفين ، هي توكيد للتفاهم بين أفراد المجتمع وللتعبير عن حاجاتهم الأساسية .
            وقد أشبعت الكلمات والتعبيرات المشتركة تداولاً منذ بدء استعمالها ، فأصبح الوصول إلى المعنى من خلالها ممارسة اعتيادية ولكن أساسية .
            والفارق بين الكلام العادي والأسلوب الأدبي ليس فارقاً في الاستعمالات اللغوية فقط ، بل هو فارق في دقة الاختيار على المعاني ، ومن ثمَّ التعبير عنها .
            فأُنيطت بالقدرة التعبيرية مسؤولية الإمساك بالمعاني والكشف عن الدلالات ، وإحراز أكبر نجاح في مخاطبة الآخرين والوصول إلى أذهانهم ونفوسهم .
            ويتفاوت الكتّاب في مستويات الإبداع ، وتبعاً لذلك تتفاوت النصوص في ما تملكه من طاقة تعبيرية ، ومن جمالية أسلوبية .
            قد انتقد ابن قتيبة في مقدّمة ( أدب الكاتب ) أولئك الذين لم يعطوا الأسلوب حقّه فقال : ( رأيت كثيراً من كتّاب أهل زماننا كسائر أهله قد استطابوا الدعة ، واستوطأوا مراكب العجز ، وأعفوا أنفسهم من كدّ النظر ، وقلوبهم من تعب الفكر ، حين نالوا الدَرَك بغير سبب ، وبلغوا البُغية بغير آلة ) .
            وابن قتيبة مُحقّ ، لأنّنا لا نريد من الأديب أن ينقل إلينا المعاني وحدها ، فإنّ الغاية من الأدب ليست هي المعرفة وتقرير الحقائق ، بل نريد نقل المعاني ممزوجة بشعور الأديب باعثة لشعورنا ، وهذا لا يتأتّى إلاّ إذا كان التعبير فنيّاً .
            ويُلخص الحوفي عدّة صفات في تعبير الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) هي :
            1ـ تخيّر المفردات :
            بحيث تنسجم من الناحية الصوتية ، فتجيء خفيفة على اللسان ، لذيذة الوقع في الآذان ، موافقة لحركات النفس ، مطابقة للعاطفة التي أزجتها أو للفكرة التي أملتها ، كقوله ( عليه السلام ) في كتاب إلى عمّاله على الخراج : ( إنّكم خُزّان الرعية ، ووكلاء الأمّة ، وسفراء الأئمّة ) .
            وكقوله إلى معاوية : ( لستَ بأمضى على الشك منّي على اليقين ) ، وقوله : ( كلما أطلَّ عليكم مَنسِر من مناسِر أهل الشام أغلق كل رجل منكم بابه ، وانجحر انجحار الضبّة في حجرها ، والضَّبُع في وجارها ) ، وقوله : ( دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجَرْجَرتم جَرجْرَة الجَمل الأَسَرِّ ، ثمّ خرج إليَّ منكم جنَيْد وتذاؤب ضعيف ) ، وقوله : ( من أبطأ به عمله ، لم يُسرع به حسبه ) ، وقوله : ( إنّ تقوى الله دواءُ داء قلوبكم ، وبَصَرُ عمى أفئدتكم ، وشفاء مرض أجسادكم ، وصلاح فساد صدوركم ، وطهور دَنَس أنفسكم ، وجلاء غشاء أبصاركم ، وأمنُ فزع جأشكم ، وضياء سواد ظُلمتكم ) .
            2ـ قوّة التعبير :
            إذ أجمع علماء البيان العربي على أنّ الكلام إذا كان لفظه غثّاً ، ومعرضه رثّاً ، كان مردوداً ولو احتوى على أجلّ معنى وأنبله ، كما ذكر أبو هلال العسكري في الصناعتين .
            وأجمعوا على أنّ الجزل القوي من الكلمات يستعمل في وصف الحروب ، وفي قوارع التهديد والتخويف ، وفي التنفيس عن الغضب والضيق وما شابه هذا .
            وأمّا الرقيق منها ، فإنّه يستعمل في وصف الأشواق ، وذكر أيّام الفراق ، وفي استجلاب المودّات ، واستدرار الاستعطاف وأشباه ذلك ، ( كما ورد في المثل السائر لابن الأثير الموصلي ) .
            ومن السهل أن نجد كثيراً ممّا يتّصف بالقوّة والجزالة والفخامة في خطب الإمام علي وفي رسائله ، تعبيراً عن عواطفه وأفكاره التي تقتضي التعبير القوي الفخم الملائم لشدّتها وقوّتها وحرارتها .
            ومن الأمثلة والنماذج قوله : ( واللهِ لا أكون كالضَّبُع تنام على طول اللَّذم حتّى يصل إليها طالبها ، ويَخْتِلها راصدها ، ولكني أضرب بالمقبل على الحق المدبَر عنه ، وبالسامع المطيع العاصي المريب أبداً ، حتّى يأتي علَيّ يومي ) .
            وقوله : ( ألا وإنّي لم أرَ كالجنّة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربُها ، ألا وإنّه من لم ينفعه الحق يضرّه الباطل ، ومن لم يستقم به الهدى يجُرْ به الضلال ، ألا وإنّكم قد أُمِرتُم بالظَعن ، ودُللتم على الزاد ، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل ) .
            وقال في خطبة يخوِّف فيها أهل النهروان : ( فأنا نذير لكم أن تصبحوا صرعى بأثناء هذا النهر ، وبأهضام هذا الغائط ، على غير بيّنة من ربّكم ، ولا سلطان مبين معكم ، قد طوَّحت بكم الدار ، واحتبلكم المقدار ، وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة ، فأبيتم علَيَّ إباءَ المخالفين المنابذين ، حتّى صرفتُ رأيي إلى هواكم ، وأنتم معاشر إخفاء الهام ، سفهاء الأحلام ، ولم آتِ ـ لا أباً لكم ـ بُجراً ، ولا أردتُ بكم ضُراً ) .
            وقوله من خطبة له عند مسيره إلى البصرة : ( إنّ الله سبحانه بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله ، وليس أحد من العربِ يقرأ كتاباً ، ولا يدَّعي نبوّة ، فساق الناس حتّى بوَّأهم محلَّتهم ، وبلَّغهم منجاتهم ، فاستقامت قناتهم ، واطمأنت صفاتهم ، أما والله إن كنتُ لفي ساقتها حتّى تولّت بحذافيرها ما عجزتُ ولا جبنتُ ، وإن مسيري هذا لمثلها ، فلأنْقُبَنّ الباطل حتّى يخرج الحق من جنبه ، ما لي ولقريش ؟ ! والله لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنّهم مفتونين ) .
            3ـ سهولة التعبير :
            مثل قوله في كتاب إلى عبد الله بن عباس بعد مقتل محمّد بن أبي بكر : ( فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً ، وعاملاً كادحاً ، وسيفاً قاطعاً ، وركناً دافعاً ، وقد كنت حثثت الناس على لحاقه ، وأمرتهم بغيائه قبل الوَقْعه ، ودعوتهم سراً وجهراً ، وعوداً وبدءاً ، فمنهم الآتي كارهاً ، ومنهم المعتلّ كاذباً ، ومنهم القاعد خاذلاً ) .
            وقوله في رسالة إلى عمرو بن العاص قبل التحكيم : ( أمّا بعد ، فإنّ الدنيا مشغلة عن غيرها ، ولن يصيب صاحبُها منها شيئاً إلاّ فتحت له حِرصاً يَزيده فيها رغبة ، ولن يستغني صاحبها بما نال عمّا لم يبلُغْ ، ومن وراء ذلك فراقُ ما جمع ، والسعيد من وُعِظ بغيره ، فلا تُحبط ـ أبا عبد الله ـ أجرك ، ولا تُجارِ معاوية في باطله ، والسلام ) .
            وقوله في خطبة له بعد أن بلغه مقتل محمّد بن أبي بكر : ( اسمعوا قولي ، وأطيعوا أمري ، فو الله لئن أطعتموني لا تَغوون ، وإن عصيتموني لا ترشدون ، خذوا للحرب أُهبَتها ، وأعدّوا لها عُدَّتها ، فقد شبَّت نارها … إلاّ إنّه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولى في الجدَّ في غيِّهم وضلالتهم من أهل البِرّ والزهادة والإخبات في حقّهم وطاعة ربّهم ، إنّي والله لو لقيتهم فرداً وهم مِلاءُ الأرض ما باليتُ ولا استوحشتُ ، وإنّي من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لَعلى ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة ، فانفروا خفافاً وثقالاً ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) .
            4ـ قِصَر الفقرات :
            مثل قوله لما أغار النعمان بن بشير الأنصاري على عين التَمر : ( مُنيتُ بمن لا يطيع إذا أمرت ، ولا يجيب إذا دعوت ، لا أباً لكم ! ما تنتظرون بنصركم ربّكم ؟ أما دينٌ يجمعكم ، ولا حَمِيّة تُحمِشكم ؟! أقوم فيكم مستصرخاً ، وأُناديكم مُتَغوّثاً ، فلا تسمعون لي قولاً ، ولا تطيعون لي أمراً ، حتّى تكشف الأمور عن عواقب المساءة ، فما يُدرَك بكم ثأر ، ولا يُبلَغ بكم مرام ، دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ ، وتثاقلتم تثاقل النضْو الأْبَر ) .
            وقوله : ( فتداكّوا علَيّ تداكَّ الإبل الهِيم يوم وِردها ، وقد أرسلها راعيها ، وخُلعت مثانيها ، حتّى ظننتُ أنّهم قاتليَّ ، أو بعضهم قاتل بعض لديَّ ، قد قلّبت هذا الأمر بطنَه وظهره ، حتّى منعني القوم ، فما وجدتني يسعني إلاّ قتالهم أو الجحود بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله ، فكانت معالجة القتال أهون عليَّ من معالجة العقاب ، ومَوتاتُ الدنيا أهونَ عليَّ من مَوتات الآخرة ) .
            وقوله في كتاب إلى أمراء جيوشه : ( ألا وإنّ لكم عندي ألاّ أحتجز دونكم سراً إلاّ في حرب ، ولا أطوي دونكم أمراً إلاّ في حُكم ، ولا أُؤخّر لكم حقّاً عن محلّه ، ولا أقفُ به دون مقطعه ، وأن تكونوا عندي في الحق سواء ، فإذا فعلتُ ذلك وَجَبَت لله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة ، وألا تنكصوا عن دعوة ، ولا تُفرّطوا في صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق ) .
            5ـ كثرة الصيغ الإنشائية :
            وهي : الأمر والنهي ، والاستفهام ، والترجي والتمني ، والنداء والقسم والتعجب ، وهي أقوى من الصيغ الخبرية تجديداً لنشاط السامعين ، وأشد تنبيهاً وأكثر إيقاظاً ، وأدعى إلى مطالبتهم بالمشاركة في القول وفي الحكم ، وهي في الوقت نفسه أدق في تصوير مشاعر الخطيب وأفكاره ، لأنّ أفكاره ومشاعره المتنوّعة في حاجة إلى أساليب متغايرة تفصح عنها .
            ثمّ إنّ مغايرة الأساليب تستتبع مغايرة في نبرات الصوت وفي الوقفة والإشارة وطريقة الإلقاء ، وهذا كلّه عون على الوضوح من ناحية ، وعلى التأثير في السامعين من ناحية .
            أمثلة ونماذج :
            أ ـ من الأمر :
            قوله : ( فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حُثالة القَرَظِ ) ، وقوله : ( فاعتبروا بما أصاب الأممَ المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته ، ووقائعه ومثلاته ، واتعظوا بمثاوي خدودهم ، ومصارع جنوبهم ، واستعيذوا بالله من لواقح الكِبر ، كما تستعيذون من طوارق الدهر ) ، وقوله : ( ليتأسَّ صغيركم بكبيركم ، وليرأف كبيركم بصغيركم ) .
            ب ـ ومن النهي :
            قوله : ( فلا تجعلنَّ للشيطان فيك نصيباً ، ولا عن نفسك سبيلاً ) ، وقوله : ( ألا وإنّ الآخرة قد أقبلت ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ) ، وقوله : ( لا تقاتلوا الخوارج بعدي ، فليس من طلب الحقَّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه ) ، وقوله : ( لا تُرَخِّصوا لأنفسكم ، فتذهب بكم الرَخص مذاهب الظلمة ، ولا تداهنوا فيهجم بكم الإدهان على المعية … ولا تَحاسدوا ، فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النارُ الحطب ، ولا تَباغضوا ، فإنّها الحالقة ) .
            وقوله : ( فلا يغرنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور ، فإنّما هو ظل ممدود ، إلى أجَل معدود ) ، وقوله : ( فإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا ) ، وقوله : ( عباد الله ، لا تركنُوا إلى جهالتكم ، ولا تنقادوا إلى أهوائكم ) .
            وقوله : ( لا يؤنِسنّك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشنَّك إلاّ الباطل ) ، وقوله : ( فلا تنفروا من الحق نفارَ الصحيح من الأجرب ) ، وقوله : ( فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة ، ولا تتحفّظوا منّي بما يُتحفَّظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقَّ قيل لي … فلا تكفّوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل ) .
            ج ـ ومن الاستفهام :
            قوله : ( أبعد إيماني برسول الله صلّى الله عليه وآله ، وهجرتي معه ، وجهادي في سبيل الله ، أشهد على نفسي بالكفر ؟! لقد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين ) ، وقوله : ( أصبحت والله لا أصدّق قولكم ، ولا أطمع في نصركم ، ولا أُوعد العدوَّ بكم ، ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبّكم ؟! القوم رجال أمثالكم ، أقولاً بغير علم ؟ وغفلةً من غير ورع ؟ وطمعاً في غير حق ) ؟! .
            وقوله : ( أيّها الناس ، إنّ الوفاء توأم الصدق ، ولا أعلم جُنّة أوقى منه … ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثرُ أهله الغدرَ كيْساً ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حُسن الحيلة ، ما لهم ؟ قاتلهم الله ! قد يرى الحُوّل القُلَّب وجه الحيلة ، ودونها مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها مَن لا حريجة له في الدين ) .
            وقوله : ( هل يُحسّ به ـ ملك الموت ـ إذا دخل منزلاً ؟ أم تراه إذا توفّى أحداً ؟ بل كيف يتوفّى الجنين في بطن أمّه ؟ أيلج عليه من بعض جوارحها ؟ أم الروح أجابته بإذن ربّها ؟ أم هو ساكن معه في أحشائها ؟ كيف يصف إلهَه من يعجز عن صفة مخلوق مثله ) ؟!
            وقوله : ( أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى ، والأبصار اللامحة إلى منازل التقوى ؟ أين القلوب التي وُهِبَت لله ، وعوقدت على طاعة الله ) ؟!
            د ـ ومن الترجّي :
            قوله : ( فاسمعوا قولي ، وعُوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تُنتضى فيه السيوف ) ، وقوله : ( لعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمّة ) ، وقوله : ( لا تعجل في عيب أحد بذنبه ؛ فلعلّه مغفور له ، ولا تأمن على نفسك صغير معصية ، فلعلّك معذّب عليه ) ، وقوله : ( هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ! ولعل بالحجاز وباليمامة من لا طمع له في القُرص ، ولا عهد له بالشِبع ) .
            هـ ـ ومن التمنّي :
            قوله : ( يا أشباه الرجال ولا رجال ، لَوددتُ أنّي لم أركم ، ولم أعرفكم ) ، وقوله : ( قد دارستكم الكتاب ، وفاتحتكم الحجّاج ، وعرّفتكم ما أنكرتم ، وسوَّغتكم ما مججتم ، لو كان الأعمى يلحظ ، أو النائم يستيقظ ) .
            و ـ ومن النداء :
            قوله : ( أيها الناس ، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة … ) ، وقوله : ( فاتقوا الله عباد الله ، وفِرّوا إلى الله من الله ) ، وقوله : ( أيّها الناس المجتمعةُ أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم ، كلامكم يُوهي الصمَّ الصِلاب ، وفعلكم يُطمِعُ فيكم الأعداء ) ، وقوله : ( أيّها الناس ، إنا قد أصبحنا في دهر عنود ، وزمن كنود ) .
            ز ـ ومن القسَم :
            قوله : ( والله ما أنكروا عليَّ منكراً ، ولا جعلوا بيني وبينهم نَصَفاً ) ، وقوله : ( أما والله ما أتيتكمُ اختياراً ، ولكن جئت إليكم شوقاً ) ، وقوله : ( ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم ، لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلاّ كلعقةِ لاعق ) ، وقوله : ( أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر … لألقيتُ حبلَها على غاربها ) ، وقوله : ( لعمري ، لو كنا نأتي ما أتيتُم ما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ للإيمان عود … وأيمُ الله ، لتحتلبُنّها دماً ، ولتتبعُنَّها ندماً ) ، وقوله : ( والله لو قتلتم على هذا دجاجة لَعظُم عند الله قتلها ، فكيف بالنفس التي قتلُها عند الله حرام ) ؟!
            ح ـ ومن التعجّب :
            قوله : ( سبحانك ما أعظم شأنك ! سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك ! وما أصغر كلّ عظيمة في جنب قدرتك ! وما أهَولَ ما نرى من ملكوتك ! وما أحقر ذلك فيما غاب عنّا من سلطانك ! وما أسبغَ نعمَك في الدنيا ، وما أصغرَها في نِعم الآخرة ) ! وقوله : ( استتمّوا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته ، والمجانبة لمعصيته ، فإنّ غداً من اليوم القريب ) !
            وقوله : ( ما أسرع الساعات في اليوم ، وأسرع الأيّام في الشهر ، وأسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر ) ! وقوله : ( فيا عجباً ! عجباً والله يميت القلب ، ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، وتفرّقكم عن حقّكم ) ، وقوله : ( فيا عجباً للدهر إذ صرتُ يُقرنُ بي من لم يَسعَ بقَدَمي ، ولم تكن له كسابقتي … ) .
            6ـ السجع والترسُّل :
            قوله في إحدى خطبه : ( فلْيقبل امرؤ كرامة بقبولها ، وليحذر قارعة قبل حلولها ، ولينظر امرؤ في قصير أيّامه ، وقليل مُقامه في منزل حتّى يستبدله به منزلاً ، فليصنع لمتحوّله ، ومعارف منتقله ، فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه ، وتجنّب من يُرديه ، وأصاب سبيل السلامة ببصرِ من بَصَّره ، وطاعة هاد أمره ، وبادر الهُدى قبل أن تُغلق أبوابه ، وتُقطَع أسبابه ، واستفتح التوبة ، وأحاط الحَوبة ، فقد أقيم على الطريق ، وهُدِيَ نهج السبيل ) .
            وقوله : ( وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالدين المشهور ، والقلم بالمأثور ، والكتاب المسطور ، والنورِ الساطع ، والضياء اللامع ، والأمر الصادع ، إزاحة للشبهات ، واحتجاجاً بالبيّنات ، وتحذيراً بالآيات ، وتخويفاً بالمثُلات ، والناس في فتنٍ انجَذمَ فيها حبل الدين ، وتزعزعت سواري اليقين ، واختلف النَجر ، وتشتّت الأمر ، وضاق المخرج ، وعَميَ المصدر ، فالهدى خامل ، والعَمى شامل ) .


            يتبع ,,,,

            تعليق


            • ومن قوله لما أنكر عليه الخوارج تحكيم الرجال : ( إنّا لم نُحكّم الرجال ، وإنّما حكّمنا القرآن ، هذا القرآن إنّما هو خط مستور بين الدفّتين ، لا ينطق بلسان ، ولابد له من ترجمان ، وإنّما ينطق عنه الرجال ، ولمّا دعانا القوم إلى أن نُحكّم بينا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب الله سبحانه وتعالى ، وقد قال الله تعالى عزّ من قائل : فإنْ تنازْعتُم في شيءٍ فردُّوه إلى الله والرسول ، فردُّه إلى الله أن نحكم بكتابه ، وردُّه إلى الرسول أن نأخذ بسنّته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحقُ الناس به ، وإن حكم بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله فنحن أحق الناس وأولاهم بها ، وأمّا قولكم : لمَ جعلتَ بيننا وبينهم أجلاً في التحكيم ؟ فإنّما فعلتُ ذلك ليتبيّن الجاهل ، ويثبت العالم ، ولعل الله أن يُصلح في هذه الهُدنة أمر هذه الأمّة ، ولا تؤخذ بأكظامها ) .
              وقوله : ( من ترك الجهاد في الله ، وأدهَنَ في أمره ، كان على شفا هُلكه ، إلاّ أن يتداركه الله بنعمة ، فاتقوا الله ، وقاتلوا من حادَّ الله ، وحاول أن يطفئ نوره ، قاتلوا الخاطئين الضالّين القاسطين المجرمين الذين ليسوا بقرّاء للقرآن ، ولا فقهاء في الدين ، ولا علماء في التأويل ، ولا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام ، والله لو وَلّوا عليكم لعملوا فيكم أعمال كسرى وهرقل ، تيسّروا وتهيأوا للمسير إلى عدوّكم من أهل المغرب ، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة لِيقْدموا عليكم ، فإذا قدموا فاجتمعتم ، شخصنا إن شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ) .
              7ـ التوازن :
              كثيراً ما تجيء الجُمل في نهج البلاغة متوازنة ، بأن يتساوى عدد كلماتها ، أو تتماثل أوزان نهاياتها ، وهذا ضرب آخر من موسيقى التعبير ، ويحبّب إلى السمع ، ويقرّبُه إلى الذوق .
              ومن الموازنة قول الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لم يَؤدْه خلقُ ما ابتدأ ، ولا تدبير ما ذرأ ، ولا وقفَ به عجزٌ عمّا خلق ، ولا ولَجت عليه شبهة فيما قضى وقدّر ، بل قضاء متقن ، وعلم مُحكم ، وأمر مبرم ) ، وقوله : ( إنّ غاية تنقصها اللحظة ، وتهدمها الساعة ، لجديرة بقِصر المدّة ، وإن غائباً يَحْدره الجديدان الليل والنهار ، لحريّ بسرعة الأوبة ، وإنّ قادمة يقدم بالفوز أو الشِقوة ، لمستحق لأفضل العدّة ، فيا لها حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة ، وأن تؤدّيه أيّامه إلى الشِقوة ! نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تُبطره النعمة ، ولا تُقصِّر به عن طاعة ربّه غاية ، ولا تحلُّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة ) .
              وكذلك قوله : ( إنّ الزاهدين في الدنيا تبكي قلوبهم وإن ضحكوا ، ويشتد حزنهم وإن فرحوا ، ويكثر مقتهم أنفسَهم وإن اغتبطوا بما رُزقوا ) .
              وقد يجيء التوازن في داخل الجمل لا في نهاياتها ، فيؤلف انسجاماً في نطق الكلمات وفي سماعها ، مثل قوله : ( الحمد لله غيرِ مقنوط من رحمته ، ولا مخلوّ من نعمته ، ولا ميؤوس من مغفرته ، ولا مستنكَف عن عبادته ، الذي لا تبرح منه رحمة ، ولا تُفقَد له نعمة ) ، فإنّ هنا موازنةً بين مقنوط ومخلوّ وميؤوس .
              8ـ الجناس ، الطباق ، والمقابلة ، والتوشع :
              كما استعرض الدكتور الحوفي أمثلة عديدة عن الخيال البياني في خطب الإمام علي بن أبي طالب ورسائله ـ وما تعتمده من التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز ـ وهي عُدّة الشاعر والخطيب والكاتب ، التي برع فيها الإمام علي براعة منقطعة النظير ، في شتّى شؤون المعرفة ، والعقل ، والنفس ، وفي مختلف قضايا البشر ، والدين والدنيا .
              مزيّة خاصّة :
              إنّ نهج البلاغة ـ كما يقول ابن أبي الحديد ـ إذا تأمّلته : ( وجدتَه كلَّه ماءً واحداً ، ونَفَساً واحداً ، وأسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ) وهو ـ في عظمته الأسلوبية ـ يحتوي على عبقرية الحُسن اللفظي ، تلك العبقرية التي تتمثّل في علاقة اللفظة بالأخرى ، والتي تَرِد في خطب ، وفقرات ممتازة التميّز ، تأخذ فيها اللفظة بعنق قرينتها ، جاذبة إيّاها إلى نفسها ، دالّة عليها بذاتها .
              وذلك باعتراف جعفر بن يحيى ، الذي كان من أبلغ الناس وأفصحهم ، كما رأى الجاحظ ، قال الجاحظ : حدّثني ثمامة قال : سمعت جعفر بن يحيى يقول : الكتابة بضم اللفظة إلى أختها ، ألم تسمعوا قول شاعر لشاعر ـ وقد تفاخر ـ : أنا أشعر منك ، لأنّي أقول البيت وأخاه ، وأنت تقول البيت وابنَ عمّه .
              ثمّ وناهيك حسناً بقول علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( هل من مناص أو خلاص ، أو معاذٍ أو ملاذ ، أو فرار أو محار ) .
              قال أبو عثمان الجاحظ : وكان جعفر يُعجَب أيضاً بقول الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أين من جدّ واجتهد ، وجمع واحتشد ، وبنى فشيّد ، وفرش فمهّد ، وزخرف فنجّد ) ؟!
              قال : ألا ترى أنّ كل لفظة منها آخذة بعنق قرينتها ، جاذبةٌ إيّاها إلى نفسها ، دالّة عليها لذاتها .
              وقد روى هذا كلَّه أيضاً ابن مسكويه في كتابه ( الحكمة الخالدة ) بأسلوب آخر عن جعفر بن يحيى ، والفقرات التي حكى الجاحظ إعجاب جعفر بن يحيى بها ، وهي ( هل من مناص أو خلاص … الخ ) هي من بعض فصول هذه الخطبة .
              أمّا الفقرات التي اُعجب بها جعفر وهي ( أين من جد واجتهد … الخ ) فهي من خطبة أخرى ذكرها ابن عبد ربّه في العِقد الفريد .
              وأوّلها : ( أوصيكم عبادَ الله ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته ، وبتقديم العمل ، وترك الأمل ، فإنّه من فرَّط في عمله ، لم ينتفع بشيء من أمله ) .
              النص الوصفي :
              إنّ ذكاء الإمام علي بن أبي طالب النادر ، كان يستعين بذاكرة قوّية ، وقدرة هائلة على اختزان صور الناس والطبيعة ، وأخبار البشر ، وأوصاف الأشياء ، وكانت دقّة ملاحظته تجعله محيطاً إحاطة مدهشة ، بسمات الشيء الباطنة ، قبل الظاهرة .
              وبفعل ذلك ، كان وصفُه يتغلغل إلى عمق الظاهرة أو الصفة ، كما يتسع ليربط الظاهرة بالأخرى ، والصفة بالأخرى ، ليقدّم رؤية شاملة ، تضع الجزئي في موضعه الحقيقي ضمن العام ، وتضع البعض ضمن الكل ، وبما أنّ أبلغ وصف هو ذلك الذي ينقل الصور البليغة للأشياء ويعكسها بأجمل تعبير ، وأقوى إيحاء ، وأدق وصف ، وأجلى تعبير ، فإنّ سحر البيان الذي أوتيَهُ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان يجعل من عملية الانعكاس الوصفي قِطعاً فريدة من النصوص الوصفية التي تفخر بها العربية .
              ومثل شأن الإمام علي ( عليه السلام ) في معرفته بالعلوم اللغوية ، والفقهية ، والشرعية ، والعسكرية ، كانت الفنون الأسلوبية المميِّزة لقدرته البلاغية ، والمجسِّدة لفكره الثاقب ، تجعله مبدعاً في ميادين الأساليب المتعددة ، فهو يقدّم النص الوصفي بالقدرة الرائعة ، التي يقدم بها النص السياسي ، أو الفقهي ، أو الأخلاقي .
              ورغم أن وصف الأشياء يتصّل اتصالاً دقيقاً بعملية انعكاس الأشياء نفسها في الذهن ، إلاّ أنّ طبيعة النفس المرهفة ، والعقل النيّر ، تجعل من عملية الانعكاس إعادة خلق صوري للموصوف ، فيصبح الموصوف في الصورة البلاغية يشبه الحقيقة الملموسة للشيء الموصوف ، ويتجاوزه بالجمالية الممنوحة إليه من داخل كلمات النص .
              إنّ أمير المؤمنين علياً بن أبي طالب كان يستنطق الصفات ، واهباً إيّاها المقدرة على أن تستعرض نفسها بشفّافية أكثر .
              لقد تميّز بقوّة ملاحظة نادرة ، ثمّ بذاكرة واعية تخزن وتتّسع ، فتيسرت له من ذلك جميعاً عناصر قوية تغذّي فكره ، وتقوّي خياله ، فتسهل عليه محاكمة الأشياء والمقارنة بين عناصرها لإثبات أرجحها وأفضلها للبقاء والتعميم .
              وحديثه عن الطبيعة بمظاهرها الحيّة بما يتخلّلها من قواعد ونواميس حياتية ، وما يحكمها من إرادة خفيّة دقيقة التنظيم والصنع ، وكلامه عن السَحاب والزرع والحيوانات المختلفة المتباينة كالخفاش والطاووس والنملة ، وتحليله الأوضاع الاجتماعية والغرائز الإنسانية ، يعتبر في ذروة أنموذج التفكير العلمي المبدع المبني على دقّة الملاحظة والإدراك الواعي ، وهو بذلك كما يقول العقّاد : تلميذ ربّه جلَّ وعلا .
              قال في وصف النملة : ( انظروا إلى النملة في صغر جثّتها ولطافة هيئتها ، لا تكاد تُنال بلحظ البصر ، ولا بمستدقّ الفِكَر ، وكيف دبّت على أرضها وحبَت على رزقها ! تنقل الحبّة إلى حُجرها وتَعُدها في مستقرّها ، وتجمع في حرّها لبردها ، وفي ورودها لصَدَرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة بوِفْقها ، لا يُغفلها المنّان ، ولا يحرمها الديّان ، ولو في الصفا الحجر الجامس ، ولو فكّرتَ في مجاري أكلها ، وفي عُلوها وسُفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها وأذنها ، لقضيتَ من خَلْقها عَجباً ، ولقيت من وصفها تعباً ، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلاّ على أنّ فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كل شيء ، وغامض اختلاف كل حي ) .
              وقال يصف الخفّاش : ( ومن لطائف صنعته ، وعجائب حكمته ، ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لكل شيء ، ويبسطها الظلام القابض لكل حي ؛ وكيف عشِيتْ أعينها عن أن تستمد من الشمس المضيئة نوراً تهتدي به في مذاهبها ، وتصل بعلانية برهان الشمس إلى معارفها ، ورَدَعها تلألؤ ضيائها عن المضي في سبحات إشراقها ، وأكنّها في مكامنها عن الذهاب في بلج ائتلاقها ؟! فهي مُسدلة الجفون في النهار عن أحداقها ، وجاعلة الليل سراجاً تستدلّ به في التماس أرزاقها ، فلا يردُّ أبصارَها إسداف ظلمته ولا تمتنع من المضي فيه لغسق دُجنته ، فإذا ألقت الشمس قناعها وبدت أوضاح نهارها ، ودخل من إشراق نورها على الضِباب في وجارها ، أطبقت الأجفان على مآقيها ، وتبلّغت بما اكتسبت من فيء ظلَم لياليها ، فسبحان من جعل الليل لها نهاراً ومعاشاً ، والنهار سكناً وقراراً ، وجعل لها أجنحة من لحمها تعرجُ بها عند الحاجة إلى الطيران ، كأنّها شظايا الآذان غير ذوات ريش ولا قصب ، إلاّ أنّك ترى مواضع العروق بيّنة أعلاماً لها جناحان لمّا يرقّا فينشقّا ، ولم يغلظا فيثقلا ؛ وولدها لاصقٌ بها لاجئ إليها ، يقع إذا وقعت ، ويرتفع إذا ارتفعت ، لا يفارقها حتّى تشتد أركانه ، ويحمله للنهوض جناحه ، ويعرف مذاهب عيشه ومصالح نفسه ، فسبحان الباري لكل شيء على غير مثال خلا من غيره ) .
              وقال يصف الجرادة : ( وإن شئتَ قلتُ في الجرادة ، سإذ خلق الله لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لها الفم السوي ، وجعل لها الحس القوي ، وبابين بهما تقرِض ، ومنجلين بهما تقبض ، يرهبها الزُرّاعُ في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبَّها ولو أجلبوا بجمْعهم ، حتّى ترد الحرثَ في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها ، وخَلْقُها كلّه لا يكون إصبعاً مستدقة ) .
              وقال في وصفه للطاووس : ( يمشي مشي المَرِح المختال ، ويتصفّح ذنَبه وجناحيه ، فيقهقه ضاحكاً لجمال سِرباله وأصابيغ وِشاحه ، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا مُعْولاً … وقد نجمت عن ظُنبوب ساقه صِيصيةٌ خفية ، وله في موضع العُرف قُنْزُعة خضراء موشاة ، ومخرج عنقه كالإبريق ، ومغْرَزُها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية ، أو كحريرة ملبَّسة مرآة ذات صقال ) .
              وقال ينفي زعم من يقول : إنّ الطاووس يلقح أنثاه بدمعة تذرفها عينه ، فتشربها أنثاه فتحمل : ( ولو كان كزعم من يزعم أنّه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه ، فتقف في ضفتَي جفونه ، وأنّ أنثاه تطْعم لذلك ، ثمّ تبيض لا من لقاحِ فحلٍ سوى الدمع المنبجس ، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب ) .
              وقال ردّاً على زعم أنّ الأرض تدور على قرن ثور : ( وأنشأ الأرضَ فأمسكها من غير اشتغال ، وأرساها على غير قرار ، وأقامها بغير قوائم ، ورفعها بغير دعائم ) .
              وقال في تكوين الجبال : ( وجبل جلاميدها ، ونشوز متونها وأطوادها ، فأرساها في مراسيها ، وألزمها قراراتها ، فمضت رؤوسها في الهواء ، ورست أصولها في الماء ، فأنهدَ جبالها عن سهولها ، وأساخ قواعدها في متون أقطارها ومواضع أنصابها ، فأشهق قلالها ، وأطال أنشازها ، وجعلها للأرض عماداً ، أرزّها فيها ( أي ثبّتها ) أوتاداً ، فسكنت على حركتها ( أي رغم حركتها ) عن أن تميد بأهلها ، أو تسيخ بحملها ، أو تزول عن مواضعها ) .
              خاتمة :
              إنّ النص النثري للإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، اكتسب فوائد عظمى من الثقافة القرآنية له ( عليه السلام ) في المضمون وفي الشكل ، وكان كثير الاستشهاد بالقرآن الكريم وبالحديث النبوي ، وكان كثير الاستشهاد بالشعر ، لأنّه كان شاعراً بطبيعته ، وفي ذلك يقول العقّاد : وعندي أنّه رضي الله عنه كان ينظم الشعر ويحسن النظر فيه ، وكان نقده للشعراء نقدَ عليم بصير ، يعرف اختلاف مذاهب القول واختلاف وجوه المقابلة والتفضيل على حسب المذاهب ، ومِن بصره بوجوه المقابلة بينهم أنّه سُئل : مَن أشعر الناس ؟ قال : إنّ القوم لم يَجْروا في حلقة تُعرف الغاية عند قَصَبتها ، فإن كان لابدّ فالملِك الضِليل .
              وهذا فيما نعتقد أوّل تقسيم لمقاييس الشعر على حسب المدارس والأغراض الشعرية بين العرب ، فلا تكون المقابلة إلاّ بين أشباه وأمثال ، ولا يكون التعميم بالتفضيل إلاّ على التغليب .
              ومن أمثلة استشهاده بالشعر ما جاء في قوله بعد خديعة التحكيم : ( وقد كنتُ أمرتكم في هذه الحكومة أمري ، ونخلْتُ لكم مخزون رأيي ، لو كان يُطاع لقصيرٍ أمر ، فأبيتم علَيّ إباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العُصاة ، حتّى ارتاب الناصح بنُصحه ، وضنَّ الزَّنْدُ بقدحه ، فكنتُ أنا وإيّاكم كما قال أخو هوازن:
              أمرتكمُ أمري بُمنعَرج اللِّوى ** فلم تستبينوا النصحَ إلاّ ضُحى الغدِ ) .
              وجاء في خطبته وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد ، استشهاده بقول الشاعر :
              لَعمرُ أبيك الخيرِ يا عمرُو إنّني ** على وَضَرٍ من ذا الإناء قليلِ
              وبقول أبي جندب الهذلي :
              هنالك لو دعوتَ أتاكَ منهم ** فوارسُ مثلُ أرميةِ الحميمِ
              وختم خطبته عند مسيره للقتال في البصرة بقوله : ( والله ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم في حيِّزنا ، فكانوا كما قال الأوّل :
              أدمتَ لعمري شُربكَ المحضَ صابحاً ** وأكلكَ بالزُبْـدِ المقَشَّـرَةَ البُجرا
              ونحنُ وهبنـاك العلاء ولـم تكـن ** عليّاً وحُطْنا حولك الجرْدَ والسُمْرا
              ومن هذا كتابه إلى معاوية : ( أمّا بعد ، فإنّك قد ذُقت ضرّاء الحرب وأذَقْتَها ، وإنّي عارضٌ عليك ما عرضَ المخارق على بني فالج :
              أيا راكباً إمّا عَرَضْـتَ فَبَلِّغَنْ ** بني فالج حيث استقرّ قرارُها
              هلمّوا إلينا لا تكونوا كأنكـم ** بلاقعُ أرضٍ طار عنها غبارُها
              سليمُ بن منصور أُناس بحرةٍ ** وأرضـهمُ أرضٌ كثيرٌ وِبارُها ) .
              ومن استشهاداته الشعرية :
              شتانَ ما يومي على كورها ** ويومُ حيّانَ أخي جابرِ
              وتمثّله بقول امرئ القيس :
              ودع عنك نهباً صِيح في حُجراته ** وهاتِ حديثاً ما حديث الرواحلِ
              وكذلك :
              ( وعيَّرها الواشون أنّي أحبّها ) ** وتلك شكاةُ ظاهرٌ عنك عارُها
              والشطرة التي بين قوسين لم يذكرها الإمام ( عليه السلام ) وإنّما هي تتمّة البيت .
              وقوله :
              ( وكم سقتُ في آثاركم من نصيحة ) ** وقد يستفيد الظِّنةَ المُتنصِّحُ
              وقوله :
              لبّثْ قليلاً يلحقُ الهيجا حَمَلْ ** ( لا بأسَ بالموتِ إذا الموتُ نزلْ )
              كذلك : قال أخو بني سليم :
              فإن تسأليني كيف أنتَ فإنني ** صبورٌ على ريب الزمان صليبُ
              يعزُّ علَيَّ أن تُرى بي كآبـةٌ ** فيشـمتُ عادٍ أو يُسـاءُ حبيبُ
              ومن كتاب له إلى عثمان بن حُنيف الأنصاري :
              وحسبُكَ داءً أن تبيتَ ببطنةٍ ** وحولَك أكبادٌ تحنّ إلى القِدِّ
              وقال يذكر ما قاله أخو بني أسد :
              مُستقبِلين رياحَ الصيف تضربهم ** بحاصب بين أغوارٍ وجُلمودِ
              إنّ الشعر يتخلّل خطب الإمام علي بن أبي طالب ورسائلَه وأحاديثه ، لكنّ عظمة نثره ظلّت آيةً من آيات الأدب والحكمة والمعرفة ، تفيض كنوزها بالتلقّي ، فتزدادُ ثراء وتألّقاً.
              وصدق إذ قال : ( وإنّا لأُمراء الكلام ، وفينا تنشّبت عروقه ، وعلينا تهدلّت غصونه ) .
              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
              نقلا عن المصدر موقع سلام مكة موقع الدكتورة هيفاء عثمان عباس الفدا ( جامعة ام القرى )

              تعليق


              • ذكر الشيخ الصدوق سنداً آخر في (معاني الاخبار) للخطبه الشقشقية غير السند الثاني في علل الشرائع وهو: (حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي , قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا عيسى بن راشد عن علي بن خزيمه عن عكرمة عن ابن عباس).
                قال الشيخ المحقق الدكتور أحمد الماحوزي في تحقيقه لكتاب معاني الأخبار للشيخ الصدوق ج2ص301 في الحكم عليه :

                " (1) وسنده الأول حسن ، أحمد بن عمار بن خالد هو الواسطي ذكره ابن حبان في الثقات ، وعلي بن بذيمة روى عن ابن جبير وعامر وعكرمة ومجاهد وغيرهم ، قال أحمد بن حنبل : صالح الحديث ولكن كان رأسآ في التشيع ، ووثقه ابن معين وأبوزرعة والعجلي والنسائي والموصلي وابن سعد ، مات سنة 133 ، وعيسى بن راشد من ثقات أصحابنا ، والحماني ذكره العامة فوثقه ابن معين ، وقال ابن عدي : مسند صالح ، ولم أر في مسنده وأحاديثه أحاديث مناكير ، الا أنه شيعي بغيض .

                وسنده الثاني الى عكرمة صحيح
                ، رجاله ثقات أجلاء عيون ، وعكرمة من ثقات المسلمين ، ولم يصب من إتهمه بالنصب ، والتفصيل في محله .
                وهذه الخطبة المسماة (( الشقشقية )) من الخطب المشهورة عن الأمير عليه السلام ، وهذا كاف في ثبوتها عنه ، وشهرتها أقوى من الأسانيد المعنعنة . اهـ "

                تعليق


                • كتب الأستاذ الدكتور
                  يسري عبد الغني
                  النثر في صدر الإسلام
                  كتاب : نهج البلاغة ـ للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) نموذجًا

                  جزء من مقدمة كتابي الذي نشر في تطوان بالمغرب الشقيق
                  لم تحظ نصوص النثر العربي بنصيب وافر من الدراسة والتحليل ، رغم تعدد الدراسات النثرية التي مالت في أغلبها إلى تناول النثر العربي في إجمال أجناسه بصورة شمولية .
                  وبالرغم من وجود بعض الدراسات الحديثة التي توقفت عند نماذج من النصوص النثرية في الأدب العربي ، وتحليلها تحليلاً فنيًا ، إلا أن نصوص النثر العربي تحتاج دائمًا إلى مزيد من الدراسة والتحليل ، إذ كل قراءة جديدة لها تكشف عما يكمن بها من أسرار فنية .
                  من هذا المنطلق جاء هذا الكتاب كمحاولة لتتبع النص النثري العربي بالدراسة والتحليل الفني ، فالنص النثري يعد البداية السليمة لأي دراسة أدبية تستهدف النتائج الصحيحة ، سواء تم دراسة هذا النص من قبل أو لم يتم دراسته .
                  إن دراسة النثر في عصر صدر الإسلام أي عصري النبوة والخلفاء الراشدين دون التركيز بالتحليل والدرس على كتاب : (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بهدف إبراز سماته وخصائصه ودوره في الارتقاء والنهوض بالنثر في هذه المرحلة ، يعد مجانبة للصواب وإخلال متعمد بمنهج البحث الأدبي في سياقه التاريخي .
                  ومن هنا كان لا بد للباحث وهو يتناول بالدرس والتحليل النثر في عصر صدر الإسلام أن يقف أمام كتاب : (نهج البلاغة) كوثيقة أدبية وتاريخية ، تعكس بجلاء ثقافة العصر بكل معطياته الفكرية والتاريخية والاجتماعية والأدبية ، وكأنموذج واقعي للدلالة على أهم سمات وخصائص النثر في هذه الفترة التاريخية المهمة من تاريخنا
                  إن كتاب : (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) سيد الخطباء و الذي يعد أهم نماذج الأدب النثري في عصر صدر الإسلام وخير تعبير عنه ، هذا الكتاب عشت معه منذ نعومة أظافري ، وكان شيخنا / إبراهيم جلهوم (رحمه الله) إمام وخطيب مسجد / السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة ، يقول لنا ونحن شباب : إذا أردت أن تكون خطيبًا مفوهًا ، فصيحًا بليغًا ، تتمكن من أن توصل ما بداخلك من فكر ورأي إلى الناس فعليك بقراءة وفهم واستيعاب كتاب (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) .
                  وكان أستاذنا الدكتور / علي الخفيف ، ونحن نطلب العلم في كلية دار العلوم / جامعة القاهرة ، يقول لنا : لن يكون لكم دراية بالفصاحة أو البلاغة أو المعاني إلا إذا قرأتم و استوعبتم وفهمتم ما في كتاب : (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) .
                  وأذكر أن شيخنا الشيخ / أحمد عبد المعطي خطيب وإمام / مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة ، كان يقول لنا : عليكم بكتاب : (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فسوف تتعلمون وتنهلون منه العلم والأدب والأخلاق والصلاح ، ناهيكم عن تعلم الفصاحة والمعاني وجودة الأسلوب .
                  وكان أستاذنا الأديب / عبد المنعم شميس الذي تعلمنا على يده الصحافة ، عندما كان يلتقي ببعض الشباب من محبي الأدب ، كان يقول لهم : إذا أردتم أن تسلكوا طريق الأدب والإبداع عليكم بقراءة وفهم وحفظ ـ إذا استطعتم ذلك ـ كتاب : (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، فهو نبع عذب للأدب واللغة والفكر .

                  ونحاول في كتابنا هذا دراسة نماذج من النصوص النثرية في عصر صدر الإسلام والذي يعد من أهمها كتاب (نهج البلاغة) للإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، مع محاولة إبراز أثر الأحوال السياسية والاجتماعية على النثر العربي بوجه عام ، وعلى النصوص النثرية بوجه خاص ، وبيان موضوعاتها وسماتها الفنية ..
                  لقد كتبت من قبل عن كتاب : (نهج البلاغة) أو عن أدب الإمام / علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) في العديد من الدراسات والأبحاث والمقالات التي قمت بها ، ولكن هذه أول مرة أتناول في صفحات مستقلة كتاب: (نهج البلاغة) ، فلعلني أكون قد وفقت إلى هذا الأمر بعون الله تعالى ، راجين من القارئ الكريم أن يغفر لنا أية هنات قد يرى أننا قد وقعنا فيها ، فالكمال المطلق لله تعالى ، داعين الله أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ... والله عز وجل ولي التوفيق ،،،
                  اهـ

                  تعليق


                  • نهج البلاغة
                    للإمام عليِّ بن أبي طالب نموذجاً
                    الحلقة الأولى





                    النثر في عصر صدر الإسلام
                    بقلم: د. يسري عبد الغني عبدالله
                    مقدّمة عامة

                    لم تحظ نصوص النثر العربي بنصيب وافر من الدراسة والتحليل، رغم تعدد الدراسات النثرية التي مالت في أغلبها إلى تناول النثر العربي في إجمال أجناسه بصورة شمولية.
                    وعلى الرغم من وجود بعض الدراسات الحديثة التي توقفت عند نماذج من النصوص النثرية في الأدب العربي، وتحليلها تحليلاً فنياً، إلا أن نصوص النثر العربي تحتاج دائمًا إلى مزيد من الدراسة والتحليل، إذ كل قراءة جديدة لها تكشف عما يكمن بها من أسرار فنية.
                    من هذا المنطلق جاء هذا الكتاب كمحاولة لتتبع النص النثري العربي بالدراسة والتحليل الفني، فالنص النثري يُعَدُّ البداية السليمة لأي دراسة أدبية تستهدف النتائج الصحيحة، سواء تمَّت دراسة هذا النص من قبل أو لم تتم دراسته .
                    إن دراسة النثر في عصر صدر الإسلام أي عصري النبوة والخلفاء الراشدين دون التركيز بالتحليل والدرس على كتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب t بهدف إبراز سماته وخصائصه ودوره في الارتقاء والنهوض بالنثر في هذه المرحلة، يُعَدُّ مجانبة للصواب وإخلالاً متعمداً بمنهج البحث الأدبي في سياقه التاريخي.
                    ومن هنا كان لا بُدَّ للباحث وهو يتناول بالدرس والتحليل النثر في عصر صدر الإسلام أن يقف أمام كتاب: (نهج البلاغة) كوثيقة أدبية وتاريخية ، تعكس بجلاء ثقافة العصر بكل معطياته الفكرية والتاريخية والاجتماعية والأدبية، وكأنموذج واقعي للدلالة على أهم سمات وخصائص النثر في هذه الفترة التاريخية المهمة من تاريخنا.
                    إن كتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب t سيد الخطباء والذي يُعدُّ أهم نماذج الأدب النثري في عصر صدر الإسلام وخير تعبير عنه، هذا الكتاب عشت معه منذ نعومة أظافري، وكان شيخنا إبراهيم جلهوم q إمام وخطيب مسجد السيدة زينب بالقاهرة ، يقول لنا ونحن شباب: إذا أردت أن تكون خطيبًا مفوهًا ، فصيحًا بليغاً، تتمكن من أن توصل ما بداخلك من فكر ورأي إلى الناس فعليك بقراءة وفهم واستيعاب كتاب (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب .
                    وكان أستاذنا الدكتور علي الخفيف، ونحن نطلب العلم في كلية دار العلوم جامعة القاهرة ، يقول لنا: لن يكون لكم دراية بالفصاحة أو البلاغة أو المعاني إلا إذا قرأتم و استوعبتم وفهمتم ما في كتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب t.
                    وأذكر أن شيخنا الشيخ أحمد عبد المعطي خطيب وإمام مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة، كان يقول لنا: عليكم بكتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب tفسوف تتعلمون وتنهلون منه العلم والأدب والأخلاق والصلاح، ناهيكم عن تعلم الفصاحة والمعاني وجودة الأسلوب، وكان أستاذنا الأديب عبد المنعم شميس، عندما كان يلتقي ببعض الشباب من مُحبي الأدب، كان يقول لهم: إذا أردتم أن تسلكوا طريق الأدب والإبداع عليكم بقراءة وفهم وحفظ ـ إذا استطعتم ذلك ـ كتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب t، فهو نبع عذب للأدب واللغة والفكر.
                    ونحاول في كتابنا هذا دراسة نماذج من النصوص النثرية في عصر صدر الإسلام والذي يُعدُّ من أهمها كتاب (نهج البلاغة) للإمام عليِّ بن أبي طالب t، مع محاولة إبراز أثر الأحوال السياسية والاجتماعية على النثر العربي بوجه عام، وعلى النصوص النثرية بوجه خاص، وبيان موضوعاتها وسماتها الفنية..
                    لقد كتبت من قبل عن كتاب: (نهج البلاغة) أو عن أدب الإمام عليِّ بن أبي طالب t في العديد من الدراسات والأبحاث والمقالات التي قمت بها، ولكن هذه أول مرة أتناول في صفحات مستقلة كتاب: (نهج البلاغة)، فلعلني أكون قد وفقت إلى هذا الأمر بعون الله تعالى، راجين من القارئ الكريم أن يغفر لنا أية هنات قد يرى أننا قد وقعنا فيها، فالكمال المطلق لله تعالى، داعين الله أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا... والله عز وجل ولي التوفيق... (المؤلف)
                    الفصل الأول
                    عن النثر الأدبي
                    تحديد مفهوم النثر الأدبي:
                    النثر أحد قسمي القول، حيث عمد المفكرون والنقاد إلى تقسيم الأدب إلى قسمين كبيرين هما: الشعر والنثر.
                    والنثر لغة: من مادة نثر، يقال: نثر الشيء نثراً أو نثاراً، مثل نثر الحب أي رمى به متفرقاً، وهو التوزيع بلا نظام أو قياس(1). فالمعنى اللغوي يعني الشيء المتفرق دون أساس في تفرقه.
                    أما النثر اصطلاحاً:« فهو الكلام الذي لم ينظم في أوزان وقوافٍ، وهو على ضربين: أما الضرب الأول: فهو النثر العادي الذي يقال في لغة التخاطب، وليست لهذا الضرب قيمة أدبية إلا ما يجري فيه أحيانًا من أمثال وحكم، وأمّا الضرب الثاني فهو النثر الذي يرتفع

                    فيه أصحابه إلى لغة فيها فن ومهارة وبلاغة.(2)» لغة خاصة يوظفها المبدع على نحو خاص، وهذا الضرب هو النثر الأدبي الذي يعنينا بالدراسة والتحليل.
                    النثر الجاهلي :
                    تجدر بنا الإشارة إلى أن النثر الجاهلي لم يصل إلينا منه إلا القليل بالنسبة لما روي من الشعر، وذلك بسبب انعدام التدوين والاعتماد على الحفظ والرواية، وقد تميز الشعر بسهولة حفظه وجريانه على ألسنة الناس، لما اتسم به من إيقاع موسيقي ووزن وقافية، أما النثر فليس له تلك السمة، ومن ثم ضاع معظمه ولم يصل إلينا إلا ما حفظته الذاكرة حتى عصر التدوين، وهذا ما أشار إليه الجاحظ ، حين قال:« وما تكلمت به العرب من جيد المنثور، أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره ». (3)
                    وإذا أنعمنا النظر في النثر الجاهلي وجدناه يتنوع إلى عدة أنواع منها: الخطابة التي تعددت أنواعها لتعدد دواعيها، والقصص وأيام العرب، والأمثال والحكم، وسجع الكهان، والوصايا، والمحاورات النثرية.
                    وقد عبرت النصوص النثرية الجاهلية عن الواقع الذي عاشه العرب قبل الإسلام ، كما دلت على حرص مبدعيها على توظيف أساليب متباينة للتعبير عمّا بداخلهم من أفكار بما يحقق لها القوة والتأثير. فقد استخدموا السجع في أغراض، وجمعوا بين الأساليب الخبرية والأساليب الإنشائية لعرض الموضوع، كما جنحوا إلى وجوه تحسين الكلام من ألوان البديع كالجناس والطباق وغيرهما، وعمدوا إلى الخيال بأنواعه للتأثير في نفوس المتلقين .
                    أثر القرآن الكريم والحديث الشريف في اللغة والأدب:
                    تغلبت لهجة قريش على سائر اللهجات العربية قبل ظهور الإسلام، بسبب سيادة قريش الدينية والتجارية على كل القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية . ولما بدأ نزول الوحي على رسولنا الكريم w، نزل بلسان قريش فاكتملت للهجتها السيادة دون منازع. (4)
                    وقد انبهر العرب بلغة القرآن الكريم وأسلوبه، فتأثروا به تأثراً ملحوظاً، وقد تجلّى ذلك في أدبهم، إذ اهتدوا بلغته ومعانيه وأسلوبه في التعبير عن أفكارهم وآرائهم، وقد وصل هذا التأثر إلى الحد الذي كانت العرب فيه لا تعد الرجل بليغًا في كلامه إلا إذا اشتمل كلامه على شيء من القرآن الكريم، وهذا ما رواه الجاحظ عن الهيثم بن عدي:« قال عمران بن حطان: إن أول خطبة خطبتها ، عند زياد ـ أو عند ابن زياد ـ فأعجب بها الناس، وشهدها عمي وأبي، ثم إني مررت ببعض المجالس، فسمعت رجلاً يقول لبعضهم، هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن » (5)
                    كما أن للقرآن الكريم أثر آخر إذ حفظ اللغة العربية من الضياع، حيث هيأ للغة العربية الفصحى البقاء والاستمرار، وقد تمسك بها المسلمون، وحافظوا عليها على مرَّ العصور.
                    وثمة أثر آخر نلمسه في تلك الإضافة التي أضافها القرآن الكريم للفصحى والمتمثلة في تلك الألفاظ الجديدة التي لم يعرفها العرب من قبل مثل: الصلاة ، والصوم، والزكاة، والإيمان... وغير ذلك.
                    ولم يكتف القرآن الكريم بتلك الإضافات، بل نقّح الألفاظ وهذبها من كل وحشي غريب، مقتدين بالقرآن في أساليبه وعباراته.
                    ويقف الحديث الشريف بجانب القرآن الكريم في التأثير على اللغة والأدب، والحديث كما هو معروف: كل ما روي عن الرسول قولاً، وقد كان لتلك الأقوال عظيم الأثر في متلقيها، لقد حفظها الناس وتناقلوها في ما بينهم، واستشهدوا بها في أحاديثهم في كثير من المواقف والأحوال، ومن هنا اكتسبت لغة العرب القوة والبلاغة والبراعة، وإليك بعض تفصيل هذا:
                    أولاً ـ أثر القرآن الكريم في اللغة والأدب:
                    كان للقرآن الكريم أثره الواضح في نشأة علوم جديدة: من تفسير، وفقه، وتوحيد، وغيرها، وكان ذلك بدافع من التطور العقلي الذي كان الذكر الحكيم أساسه، كما كان بدافع من الحاجة إلى توضيح أحكامه وتعاليمه، وكان له كذلك أثر واضح في اللغة والأدب.
                    فمن أثره في اللغة:
                    أ ـ أنه وحد لهجات العرب في لهجة قريش التي نزل بها، وبهذا تقوية لأواصر الوحدة بين العرب وزاد من مقومات القومية العربية.
                    ب ـ وسع مجال اللغة بما أمدها من ألفاظ استعملها استعمالاً جديداً، كلفظ المؤمن والكافر والمنافق والصلاة والصوم والزكاة ... إلخ ..
                    ج ـ نقل اللغة إلى طور جديد، فقد دعت حاجات الحياة التي جاء بها إلى استخدام ألفاظ، وهجر أخرى، لا تلائم الحياة الجديدة، لما فيها من غرابة، أو خشونة، أو مجافاة لروح العصر.
                    د ـ حمل اللغة العربية معه إلى كل إقليم نزل به، وجعلها اللغة الرسميّة للبلاد التي دخلت في الإسلام ، فقد هجرت هذه البلاد لغتها، وأقبلت على اللغة العربية واتخذتها لغة لها.
                    هـ ـ لعلَّ من أفضل أيادي القرآن المجيد على اللغة العربية أنَّه ضمن لها البقاء والخلود، وصانها من أن تنقرض كما انقرض الكثير من اللغات القديمة.
                    و ـ كما نشأت في ظل القرآن الكريم العلوم اللغوية، كالنحو، والصرف، والبلاغة، ومتن اللغة، ونحوها.
                    ومن أثره في الأدب :
                    وأما أثره في الأدب فيتمثل في هذه الروح التي سرت في الأدباء والمبدعين بعد أن تأثروا به، فنقلتهم إلى أنماط جديدة في التفكير، والتصوير، والتعبير، مما نجده شائعًا في كل ما أُثر عن أدباء ذلك العصر من شعر، وخطب، ووصايا، ورسائل، وما يزال هذا التأثير مستمراً حتى يومنا هذا.
                    وكان من أثره في الأدب كذلك أنه دفع إلى جمع مادة الأدب العربي في العصر الجاهلي، وإلى جمع ما يتصل بتاريخ ذلك العصر، للاستعانة به على تفهم القرآن الكريم وتفسيره.
                    كما كان حافزاً إلى نشأة العلوم البلاغية والنقدية والجمالية، بما جاء فيه من صور في: التشبيه، والاستعارة، والمجاز، والكناية، والمحسنات البديعية، والمعاني، وغيرها من صور البلاغة وأساليبها.
                    ثانياً ـ أثر الأحاديث النبوية المطهرة في اللغة والأدب:
                    عندما نقرأ نماذج من أحاديث المصطفى w يمكن لنا أن نتبين فيها، بعض ملامحها واتجاهاتها.
                    فقد كان النبي أفصح العرب، وأقدرهم على القول، وأصفاهم أسلوباً، وأعظمهم تأثيراَ في النفس، بجوامع كلمه، وروائع قوله.
                    ولا عجب في ذلك، فقد تقلد في أخلص القبائل منطقاً، وأعذبها بياناً، ولد في بني هاشم، واسترضع في بني سعد، ونشأ في قريش، وكان له من الوحي والقرآن الحكيم معين لا ينضب، يجد منه مددًا للبلاغة لا ينقطع.
                    وأحاديث الهادي البشير تدور في أغراضها حول القرآن الكريم: تُبيّنُ مجمله، وتفسر مشكله وتوضح أهدافه، فاتسعت أغراضها باتساعه، وبهذه السعة تناولت شتى شؤون الدين والدنيا، وكان منها، ما يتصل بالعبادات، والمعاملات، وما يعالج مختلف النواحي: سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وحربية.
                    ففي كل شأن من شؤون الدين أو الدنيا تجد ـ بعد القرآن الكريم ـ من أحاديثه نوراً وهداية وأسسًا لأسمى المبادئ وأنبل الغايات.
                    وهي في كل ما تتناوله تأتي بالقول الفصل، لأنها صادرة عن فيض إلهي، وإلهام سماوي، قال تعالى: } وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى...{ سورة النجم: الآية 3 ـ 4.
                    وكان من أهم ما تتميز به أحاديثه ، فوق شرف المقصد وإصابة الغاية، أنها جاءت ـ في الكثير الغالب ـ موجزة تدل بالقليل من اللفظ على الكثير من المعنى، ويكفي أن تنظر إلى قوله :«المؤمن مرآة أخيه» ـ «الكلمة الطيبة صدقة» ـ «الظلم ظلومات يوم القيامة» لتدرك ذلك، وقد صدق شيخنا الجاحظ عندما وصف كلامه قائلاً: الكلام الذي قلَّ عدد حروفه، وكثر عدد معانيه.
                    ومن مميزاتها أيضاً أنها جاءت من وحي الفطرة الصافية، بعيدة عما كان في نثر العصر الجاهلي من تكلف، فلا تعثر في لفظ، ولا تفكك في عبارة، ولا إغراب، لا جفوة، ولا تعقيد، وليست على نمط سجع الكهان، ولا مفككة تفكك كثير من الخطب في ذلك العصر، كقول أكثم بن صيفي:« الصدق مُنجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء، آفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور الصبر».
                    ومن هذه المميزات أنها تحمل قوة التأثير والإقناع،

                    بجمال أسلوبها، وبما اشتملت عليه من الحكمة، وضرب المثل، واستخلاص العبرة، وروعة التصوير والتعبير.
                    ولهذا كله كانت عظيمة الأثر في الأدب، واللغة، والعلم:
                    لقد اعتمد المفسرون والفقهاء في تفسيرهم لكلام الله، وفي استنباط الأحكام الشرعية، على الأحاديث النبوية المُطّهرة.
                    كما استمدت منها اللغة العربية أفكاراً، وألفاظًا، وأساليب جديدة، ومن ذلك قوله عند احتدام الحرب:« الآن حمى الوطيس»، وقوله:« مات حتف أنفه»، وقوله:« لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، وقوله:« يا خيل الله اركبي».
                    وتأثر بالأحاديث النبوية المُشرّفة الخطباء والكُتاب والبلغاء والشعراء، واقتبسوا منها وساروا على نهجها، وكانت الأحاديث المُطّهرة ـ وما زالت إلى يومنا هذا ـ معينًا لا ينضب، ينهل منه الناهلون. (6)
                    تطور وازدهار النثر بعد ظهور الإسلام:
                    عندما لاح الإسلام بنوره أحدث تغييراً شاملاً في عرب الجاهلية، وقد شمل هذا التغيير أدب العرب في تلك الفترة وخاصة النثر، الذي اتخذه الإسلام أساسًا في تثبيت دعوته، وقد ظهر هذا التغيير من حيث الشكل والمضمون، فقد تلاشت منه بعض الأنواع التي تتنافى مع القيم الإسلامية، مثل: سجع الكهان الذي كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالوثنية، كذلك المفاخرات و المنافرات التي نهى الإسلام عنها، فالدين الإسلامي الحنيف إنما جاء ليقضي على العصبية القبلية الجاهلية.
                    أما الأمثال فكادت تنعدم، فقد عزف المسلمون عن صناعتها، لأنهم انشغلوا بنشر الدعوة الإسلامية الغراء، ونشر معالم الشريعة. (7)
                    وأما الحكمة فقد بقيت على ألسنة بعض الصحابة، ولم يبق من فنون النثر الجاهلي سوى الخطابة والوصايا، كما نهضت الكتابة كوسيلة من الوسائل التي اعتمد عليها المسلمون في نشر الدعوة الإسلامية ، وكتابة المواثيق والعهود.
                    لقد برزت أنواع من الفنون النثرية في عصر صدر الإسلام (عصر النبّوة وعصر الخلفاء الراشدين) وهي: الخطبة والكتابة (الرسائل) والوصايا.
                    وقد تطورت هذه الفنون تطوراً ملحوظًا في عصر بني أمية، حيث توافرت عدة عوامل حققت لها الازدهار، منها: الحياة السياسية التي عاشها المسلمون في هذا العصر، وظهور الحركات المعارضة للحكم الأموي، والفتوحات الإسلامية التي شهدها هذا العصر.. وغير ذلك من عوامل.

                    الهوامش:
                    1. (1) ابن منظور ، لسان العرب ، دار الحديث ، القاهرة ، المجلد الثامن ، مادة نثر.
                    2. (2) شوقي ضيف ، الفن ومذاهبه في النثر العربي ، دار المعارف ، القاهرة ، ص 15.
                    3. (3) لجاحظ ، البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، 1/287.
                    4. (4) شوقي ضيف ، العصر الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة ، ص 31.
                    5. (5) الجاحظ ، البيان والتبيين ، 1/118.
                    6. (6) يسري عبد الغني عبد الله ، أثر القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف في النهوض باللغة والأدب ، القاهرة ، 2013.

                    7. (7) السباعي بيومي ، تاريخ الأدب العربي في العصر الإسلامي ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ص 134.

                    تعليق


                    • كتاب نهج البلاغة للإمام عليِّ بن أبي طالب (ع) نموذجاً -النثر في عصر صدر الإسلام - الحلقة الثانية


                      بقلم: د. يسري عبد الغني عبدالله

                      المبحث الأول : النثر في عصر النّبوة .
                      المبحث الثاني : النثر في عصر الخلفاء الراشدين
                      تمهيد
                      التعريف بعصر صدر الإسلام :
                      يبدأ عصر صدر الإسلام مع بداية البعثة النّبوية للرسول مُحمّد (ص) ، وينتهي بانتهاء عصر الخلفاء الراشدين، وأيام سبط رسول الله الإمام الحسن (رضي الله عنه)، إلى قيام دولة بني أُميّة على يد معاوية بن أبي سفيان عام 41 هـ .
                      وهو من أهم العصور في التاريخ الإسلامي، وأكثرها تأثيرًا في حياة العرب والمسلمين، ففيه بدأت الدعوة الإسلامية وانتشار دين جديد، ذلك الدين الذي أنقذ البشرية كلها من الضلال والجهل، ووصل بها إلى مرسى الأمان والسلام.
                      الأنواع النثرية في عصر صدر الإسلام:
                      إن النثر في هذا العصر قد تعددت ألوانه، واختلفت من حيث الموضوعات والمعاني، ومن خلال ما أُثر من نصوص نثرية لهذه الفترة من الإسلام، يمكن أن نحدد أهم هذه الأنواع في ما يلي:
                      ـ الخطابة:
                      تُعَدُّ الخطابة أكثر الفنون النثرية أهمية من الناحيتين الفنية والوظيفية، وقد كان للخطيب في العصر الجاهلي مكانة مرموقة، فاقت منزلة الشاعر في كثير من الأحيان، يقول أبو عمرو بن العلاء:« كان الشاعر في الجاهلية يُقدّمُ على الخطيب لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم، ويخوف من كثرة عددهم، ويهاجم شاعر غيرهم، فيراقب شاعرهم، فلما كثر الشعر والشعراء، اتخذوا الشعر مكسبة، ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر » (2)
                      لا عجب إذن أن نجد الخطابة في مقدمة الأنواع النثرية في صدر الإسلام، حيث كانت في خدمة الإسلام في أغلب الأغراض، فقد ساهمت في بناء المجتمع الإسلامي الجديد.
                      ـ الكتابة:
                      كان للكتابة دورٌ بارزٌ لاسيما عندما يتصل الأمر بدعوة الأمم والممالك إلى الدخول في الدين الجديد، والعهود والوثائق التي كان يكتبها الرسول محمد (ص)، أو التي كان يكتبها الخلفاء الراشدون لمن يولونهم أمور الولايات.
                      الوصايا :
                      اقتصرت الوصايا في العصر الجاهلي على حكمائهم يوصون فيها قبائلهم عند حضور الوفاة، أو حين توصي الأمهات بناتهن عند الزواج، أما في الإسلام فقد أفاد منها الخلفاء في وصاياهم لمن يتولى الخلافة بعدهم، وكذلك عند الفتوحات الإسلامية، والجهاد في سبيل الله.
                      تلك كانت أهم أنواع النثر في هذا العصر، وسوف نمضي قدمًا نحو دراسة الخطابة والكتابة فقط حتى نستخلص السمات الفنية العامة للنثر في عصر صدر الإسلام بطوريه.. (عصر النّبوة وعصر الخلفاء الراشدين )
                      المبحث الأول
                      النثر في عصر النّبوة
                      فن الخطابة
                      تمهيد :
                      الخطابة فن من فنون النثر الشفاهي مرتبطة في ظهورها وتطورها بالثقافة الشفهية والعقلية، وقد عرفها العرب منذ أقدم العصور، واتخذوها وسيلة لعرض قضاياهم في السلم والحرب، فهي « فن أصيل عند العرب أصالة الفصاحة والبيان عندهم » (3)، هذا بالإضافة إلى إقناع المستمعين بتلك الآراء واستمالتهم، أو للمعارضة وإعلان الرفض وغير ذلك من الموضوعات. ومن هذا المنطلق كان هدف الخطابة الأساسي هو التأثير والإقناع، معبرة آنذاك عن رأي الخطيب وفكره » تشتد باشتداد الأزمات التي ترتبط ارتباطاً جذرياً بمصير الجماعة وتقرير مستقبلها، وترجحها بين النزعات والتيارات التي تحدق بها. فهي ربيبة السلاح، تواكبه وتعوّض عنه، وأحياناً كثيرة تشحذه وتحفزه وتقتحم ملاحم الدمار (4)» .
                      عناصر الخطابة:
                      تقوم الخطابة على أساس الاتصال المباشر بين المتحدث والمتلقي، بواسطة اللغة المنطوقة، ومن هنا كان الأصل في تذوقها والاستمتاع بها والتأثر بما يرد فيها عندما تسمع لحظة إلقائها وهذا لا ينفي إمكانية قراءتها بعد تدوينها في عصر الكتابة.
                      ومن هنا يمكن تحديد عناصر الخطبة في ما يلي :
                      ـ المرسل، ويسمى الخطيب.
                      ـ الخطبة، وهي موضوع الاتصال.
                      ـ المرسل إليه، وهو جمهور المستمعين، على اختلاف ثقافتهم وآرائهم وميولهم.
                      ـ الاستماع، ويكون عن طريق الأذنين لتلقي الكلام المنطوق.
                      ـ الإبصار، عن طريق العينين لرؤية الخطيب وطريقته في أداء الخطبة.
                      ـ الموقف، وهو المناسبة التي من أجلها ألقى الخطيب خطبته.
                      ـ اللغة، وهي الألفاظ المنطوقة المعبرة عن الموضوع والتي من خلالها يفهم المتلقي غاية الخطيب من الخطبة.
                      وَتَعدُّ فترات التحول والانتقال في المجتمع من أهم عوامل ازدهار الخطابة سواء كانت هذه التحولات سياسية أو دينية أو عسكرية أو اجتماعية أو حزبية، ومن هنا ازدهرت الخطابة الحربية والاجتماعية والدينية في العصر الجاهلي، وازدهرت الخطابة الدينية في عصر النبوة، كما ازدهرت الخطابة السياسية والحربية في عصر الخلفاء الراشدين، أما الخطابة الحزبية والحربية والسياسية فقد ازدهرت ازدهارًا ملحوظًا في العصر الأموي.
                      بناء الخطبة :
                      مما لا شك فيه أن الخطبة في العصر الإسلامي (عصر صدر الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين ، وكذلك العصر الأموي قد تطورت بمقارنة الخطبة الجاهلية في موضوعاتها وأساليبها، فقد ظهر فيها التأثر بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، والأمر الوحيد الذي لم يتغير بتغير الزمان هو بنية الخطبة ، لأن البنية أساسية ثابتة لا تتغير.
                      فقد عمد أرسطو في كتابه (الخطابة) إلى تقسيم بنية الخطبة إلى أقسام ثلاثة، وقد كان «التقسيم الذي أقامه أرسطو للخطبة هو تقسيم نظري ، وليد قدرته الفائقة على التجريد والتنظيم والتنسيق ، أكثر مما هو منقول عن واقع الخطابة (5) » .
                      وتتكون بنية الخطبة من ثلاثة أجزاء هي: المُقدّمة / العرض / الخاتمة، وسوف نقوم بدراسة تلك الأجزاء، والتعرف إلى شروط كل جزء منها على النحو التالي:
                      أولاً: المُقدّمة:
                      المقدمة هي مُستهل الخطبة، يتوسل بها الخطيب، ليمهد لآرائه وأفكاره، ويستثير عاطفة السامعين ويجذب انتباههم. وقد عُرفت مُقدّمات الخطب بعدّة أسماء، منها: صدر الكلام عند عبد الله بن المقفع، والتصدير عند الجاحظ، ومفتاح الخطبة عند ابن قتيبة الدنيوري. ومع اختلافهم في المسمى فقد اتفقوا جميعاً على وجود المقدّمة، كما حددوا أهميتها في تهيئة أذهان المستمعين لما سيتمُّ عرضه عليهم، وكلما برع الخطيب في اختيار المقدّمة الملائمة للموضوع تفوق في إقناع المتلقين بحديثه وما سيعرضه من أفكار وآراء.
                      فعلى « نجاح المقدّمة أو فشلها يتوقف نجاح الخطيب أو فشله. فإذا وُفق في إقناع السامع بخطورة حديثه، وأهمية الأفكار التي يتولى معالجتها، يكون قد مَهَدَّ لنجاحه في خُطبته. والحاجة إلى المُقدّمة في الخُطبة تختلف بالنسبة إلى الخطباء والمواقف. فثمة خطباء ليسوا بحاجة إلى مقدّمات، وبخاصة أولئك الذين يخطبون في جمع من أنصارهم، أو المندفعين إلى تأييدهم، وهناك الذين يفدون إلى المنبر، بعد أن سبقهم إليه خطباء آخرون، مهدوا للموضوع، واستثاروا الانتباه إليه إلا أن المقدّمة تبدو أكثر ضرورة، فيما يكون السامعون عازفين عن السماع إلى الخطيب، وبخاصة إذا كان الخطيب مغموراً، أو كان يتولى الحديث إلى نفر من السامعين الذين يحملون ضغينة سابقة، أو يرون رأياً يخالف رأيه، وينضوون إلى عقيدة تخالف عقيدته، فالمقدّمة في مثل هذه الأحوال ضرورية، وعليها يتوقف نجاح الخطبة » (6)
                      ولأهمية المقدّمة نجد النّقاد والبلغاء يحثّون الخطباء على العناية بها والدقة في اختيار ألفاظها، ففيها تكمن براعة الاستهلال.
                      هذا، وقد اتفق القدماء على ضرورة تحقيق شرطين أساسَيْن في المقدّمة، هما:
                      الشرط الأول : (شرط ديني)
                      ويتمثل في ضرورة افتتاح الخطبة بعد البسملة وإلقاء السلام على المستمعين بالتحميد والتمجيد، وتزيين الخطبة بالصلاة على النبيّ مُحمّد (ص)، مع ضرورة اقتران الخطب الدينية بالتشهد، وهذا ما أشار إليه الجاحظ عندما ذكر خُطباء السلف وأهل البيان يسمون الخطبة التي لم تبدأ بالتحميد البتراء، والتي لم توّشح بآيات القرآن الكريم، وتزين بالصلاة على النبيّ مُحمّد (ص)، بالشوهاء (7).
                      الشرط الثاني : (الشرط المتعلق بموضوع الخطبة)
                      يتعلق الشرط الثاني بموضوع الخطبة، أي ينبغي على الخطيب اختيار مقدّمة توحي بموضوع الخطبة، وكذلك أوصوا بضرورة ـ على نحو ما قال الجاحظ: « وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك... فرق بين صدر خطبة النكاح، وبين صدر خطبة العيد، وخطبة الصلح، وخطبة التواهب، حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عَجُزه، فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناك، ولا يشير إلى مغزاك (8) ». ومن هنا اختلفت مقدّمات الخطب باختلاف موضوعاتها.
                      ثانيًا : العرض (الموضوع) :
                      للموضوع أهمية كبيرة حيث لا تقوم الخطبة بدونه، ومن ثُمَّ يجب أن يشتمل على وسائل إقناع متباينة، وللموضوع شروط أهمها:
                      الشرط الأول: (الوحدة والترابط)
                      تتحقق الوحدة مع الترابط عندما يتناول الخطيب موضوعاً واحداً، بحيث تكون أفكاره متسلسلة تسلسلاً منطقياً في سلاسة ويسر، فعلى الخطيب ألا « يدفع أفكاره إلى السامعين دفعة واحدة، بل على أقساط، حتى تتسرب إلى نفوسهم، ويؤمنوا بها، وينقادوا إليها دون أن يشعروا (9) ».
                      الشرط الثاني: (الوضوح):
                      الشرط الثاني يتمثل في الوضوح ، فيجب أن يكون كلام الخطيب واضحًا ، فالألفاظ الواضحة تَسهلُّ على السامعين إدراك المعنى وفهمه ، خاصة إذا كانوا من العامّة.
                      الشرط الثالث : (استخدام الأدلة):
                      وهذا الشرط الثالث نجده في أساليب الخطباء لإقناع المستمعين، وذلك عن طريق استخدامهم لبعض الأدلة التي تحقق لهم هذا الهدف، ومن هذه الأدلة (الأدلة النقلية)، فيجب على الخطيب الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية والأمثال، وهذا من شأنه تزيين الخطبة للمستمعين وإقناعهم بما ورد فيها، وتأكيد المعنى في نفوسهم.
                      ثالثاً: الخاتمة:
                      ذكرنا سابقًا أن المقدمة تهيئ السامع للتأثر، وتجذب عواطفه، أما الخاتمة فهي آخر ما يعلق في آذان السامعين من كلام الخطيب، وكما اهتمَّ الخُطباء والنقاد بالمقدّمة، كذلك أعطوا للخاتمة اهتماماً مماثلاً، فقد أوصوا بضرورة تجويدها لأنها الأثر الأخير الذي سيبقى في نفوس المستمعين، وتتنوع الخاتمة على النحو التالي:
                      1 ـ أن تكون الخاتمة تلخيصاً للأفكار الواردة في الخطبة.
                      2 ـ أن تُختم الخطبة بآية قرآنية أو حديث نبوي شريف أو حكمة أو مثل سائر، أو أبيات شعرية تتلاءم مع موضوع الخطبة.
                      3 ـ أن يوجز ما سبق عرضه في الموضوع.
                      الخطابة في عصر النّبوة
                      تحديد المفهوم :
                      الخطبة من الخطاب، وهو الحديث، وهي الكلام المنثور المسجّع (10)، والأساس في الخطبة المشافهة حتى في عصر التدوين والكتابة.
                      والخطابة هي فن مُخاطبة الجماهير بغية إقناعهم عقلياً برأي معين، أو استمالتهم وجدانياً بفكرة معينة، ومن هنا صارت الخطابة هي فن الإقناع والإبداع.
                      عوامل رقيها وازدهارها:
                      توافرت للخطابة عدة عوامل أَدت إلى رُقيّها وازدهارها في عصر النبوة، يمكن حصرها في ما يلي:
                      ـ كانت الوسيلة الوحيدة لدعوة العرب إلى الدين الإسلامي الجديد، وإقناعهم به، وشرح مزاياه لجذب الناس إليه.
                      ـ اعتمد عليها الرسول مُحمّد (ص)، في دعوته لعشيرته الأقربين ودعوة أحياء العرب الأخرى.
                      ـ كانت أداة لتحميس المسلمين وحثهم على الجهاد في سبيل الله، والتحلي بالصبر حتى يحققوا النصر، وتعلو كلمة التوحيد .
                      وعليه: فقد كان ذلك كله داعياً إلى نهضة الخطابة، وباعثاً على رقيها وعلو شأنها.
                      نماذج من خُطب هذا العصر وتحليلها:
                      كان النبي مُحمّد (ص) ، الخطيب الأول في عصر صدر الإسلام، يلقي خطبه في المحافل والمساجد في ما بعد، وينشر من خلالها تعاليم عامّة للدين الإسلامي بأسلوب سهل لا غموض فيه.
                      النموذج الأول (الرائد لا يكذب أهله):
                      تطالعنا أول خطبة، وهي الخطبة التي استهل بها الرسول (ص)، دعوته، دعا فيها قومه قائلاً:
                      « إن الرائد لا يَكذِبُ أهله، والله لو كَذِبتُ الناس جميعاً ما كَذِبتُكم، ولو غررتُ الناس جميعاً ما غَررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إنيّ رسول الله إليكم خاصّة، وإلى الناس كافة، والله لتموتُنَّ كما تَنامون، وَلتبَعُثنَّ كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً، وأنها لجنّة أبداً، أو النار أبداً » (11).
                      التحليل:
                      ـ نقف في هذه الخطبة على أمرين: الأول تأكيد الدعوة الإسلامية، والثاني: عرض بعض التعاليم الإسلامية.
                      ـ أكثر الرسول (ص)، من القسم بالله، فنراه يقول(ص): «.... والله، لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم ..»، ويقول أيضاً (ص): « والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصّة، وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون»، والهدف الأساس من القسم في الخطبة هو التأكيد على المعنى المراد توصيله للمتلقين.
                      ـ أداء المعنى بلغة موجزة، فالهدف من الخطبة هو التبليغ بدعوة جديدة ودين جديد، وقد راعى الرسول (ص)، حال المتلقين الذين صَدمهم أَمرُ هذا الدين الجديد.
                      ـ ظهر الإيقاع في الخطبة متمثلاً في السجع الذي ورد مُتآلفاً مع المعنى دون تعمد، فيقول الرسول(ص): « والله لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعاً ما غررتكم » ـ وقوله(ص): « والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون ».
                      وقد ورد الإيقاع في العبارات السابقة مؤكدًا بنون التوكيد ليوضح أن الموت والبعث أمر حتمي لا رجوع فيه، فيحدث ذلك أثره في المتلقي، ويستجيب للرسول الكريم (ص).
                      كما ظهرت المقابلة الفنية في قوله (ص): « والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون»، وهذا من شأنه التأكيد على الموت والبعث بعد الموت.
                      ـ وردت الألفاظ سهلة واضحة، وابتعدت عن كل غريب، ليسهل على المستمع إدراك المعنى بسهولة ويسر.
                      النموذج الثاني (في فتح مكّة):
                      النموذج الثاني أو الخطبة الثانية هي خطبة الرسول (ص)، يوم فتح مكة، حيث قال: « لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كُلَّ مَأثرة، أو دم أو مال يُدَّعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سَدانة البيت وَسِقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا، فيهما الدية مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، يا معشر قريش: إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خُلِقَ من تراب، ثم تلا قوله تعالى: } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (12) { يا أهل مكّة: ما ترون إني فاعل بكم ؟، قالوا : خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء » (13).
                      التحليل:
                      ـ وجه الرسول (ص) خطبته إلى الناس كافة: إلى أهل مكّة، وإلى الجيش الذي رافقه في فتح مكة. وقد احتوت الخطبة على بعض التشريعات:
                      أولها: أن كل دم أو مال في الجاهلية مهدور لأنه نتاج للعصبية القبلية التي كانت سائدة آنذاك، ما عدا سدانة البيت وسقاية الحاج.
                      كما أكدّ الرسول (ص)، على أهمية التصالح بين القبائل وإفشاء السلام بينهم.
                      وثاني التشريعات: هو التشريع المتصل بالقتل الخطأ ففيه الدية تبلغ الأربعين من النوق ذوات المخاض.
                      ثم يؤكد الرسول الكريم (ص)، على مبدأ من مبادئ الإسلام الرفيعة، وهو المساواة بين الناس، والغرض من ذلك أن تتخلى قريش عن الكبر والزهو والعظمة، فكلنا من أصل واحد، ننتمي لآدم (ع)، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله عز وجل.
                      ويختم الرسول (ص)، خطبته بما يدلُّ على سماحة الدين الإسلامي، عندما عفا عن جميع من حاربوه طوال أعوام الهجرة، سماحة لم يعهدها العرب في تاريخهم ومواقعهم الحربية.
                      ـ أما أسلوب الخطبة فجاء واضحاً، والألفاظ سلسة وكل لفظة تؤدي عملها في موقعها الملائم، فلا يضطر المتلقي إلى إعمال العقل لتفسير الألفاظ، ولإدراك المعنى.
                      ـ خلو الخطبة من السجع المتعمد، فلا نرى إلا سجعاً قليلاً في هذه الفقرات الثلاث التي وردت في مستهل الخطبة، والذي يتمثل في: « صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ».
                      ـ تراوحت جمل الخطبة بين الطول والقصر، فنراها تطول أحياناً وتقصر أحيانًا تبعاً للمعنى الذي ستؤديه، بما يحقق استيعاب المتلقي لما ورد في الخطبة.
                      ـ يدعم الرسول الكريم (ص)، فكرة مبدأ المساواة بين الناس بكلام الله عز وجل، فأورد آية من آيات الذكر الحكيم تؤكد معنى المساواة عند الله تعالى الذي لا يفرق بين عباده إلا بالتقوى، قال الله تعالى:} يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير{ (14)
                      ـ تكاد الخطبة تخلو من الصور البيانية، لعنايتها الأولى بالتشريع، فليس فيها إلا كناية في قوله: «ألا كُلَّ مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين »، كناية عن أنه مهدور.
                      ـ الاعتماد على الأسلوب الخبري، إذا كان الأمر متعلقًا بالتشريع كما في قول الرسول (ص): «ألا كُلَّ مأثرة أو دم أو مال يُدّعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا، وفيه الدية مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ».
                      وإلى جانب الأسلوب الخبري نلتقي ببعض الأساليب الإنشائية، مثل: «ما ترون أني فاعل بكم ؟ »، أسلوب استفهام، الغرض منه إثارة انتباه قريش إلى تخيل مصيرهم، وكذلك نجد الإنشاء في قوله: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وهو أسلوب أمر، الغرض منه إظهار العفو والتصريح به.
                      السمات الفنية العامة لخطب النبيّ (ص):
                      بظهور الإسلام طرأ على عصر صدر الإسلام تطور كبير، وكان هذا التطور سبباً أساسياً في تجديد الموضوعات الخطابية، بالإضافة إلى تطور الأسلوب الجمالي للخطابة، فقد أثر القرآن الكريم في الخطابة والخطباء فأضاف إليهم ثروة لغوية هائلة.
                      ومن خلال النموذجين السابقين وغيرهما من نماذج لخطب النبي محمد (ص)، نستطيع أن نُحدد الخصائص الفنية العامّة لخطبه (ص)، وهي كما يلي:
                      ـ تغير موضوع الخطبة حيث اتجه اتجاهات أخرى مغايرة لموضوعات الخطابة الجاهلية، فبينما نرى الخطيب الجاهلي يحضُّ غالبًا على الحرب والقتال، نرى النبي (ص)، يدعو إلى الخير في أغلب خطبه، ويبيّن الحلال والحرام للناس كافة، ويضع تعاليم الشرع التي تنظم العلاقات بين الناس.
                      ـ اتسم الأسلوب بالسهولة والبساطة والبعد عن الخيال، فعمد الرسول (ص)، إلى التعبير المباشر عن المعنى خاصة إذا كان المقام يستدعي ذلك. ففي خطبة الوداع يقول الرسول(ص)،: «إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات وواحد فرد، ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان»(15)، فقد اقتضت المناسبة الابتعاد عن الأسلوب البلاغي.
                      ـ قلل الرسول (ص) من الأسجاع في خطبه، بعد أن كانت عماد الخطابة الجاهلية، فقد كانت ترد في خطبه دون تعمد، لتحدث أثرها في المستمعين.(16)
                      ـ استنَّ الرسول (ص)، سُنَّة جديدة في الخطب متمثلة في المقدّمات التي تستهل بها الخطب غالباً كالحمدلة (الحمد لله)، والصلاة والاستغفار والشكر، ونراه يستهلُّ خُطبة الوداع بقوله (ص): «الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله».(17)

                      ـ وقد كان الرسول (ص)، ينهي خطبه بعبارات أصبحت من تقاليد الخطبة الإسلامية، فيقول (ص)، في ختام خطبة الوداع:« والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» (18) .

                      الهوامش:
                      (1) مفكر وباحث إسلاميّ من جمهورية مصر العربيّة
                      (2) الجاحظ، البيان والتبيين، 1/241
                      (3) مصطفى الشكعة، الأدب في موكب الحضارة الإسلامية (النثر)، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ص 41
                      (4) إيليا حاوي، فن الخطابة وتطوره عند العرب، دار الثقافة، بيروت، ص 8
                      (5) المرجع السابق، ص 18
                      (6) إيليا حاوي، فن الخطابة وتطوره عند العرب، المرجع السابق ص 19
                      (7) أنظر: الجاحظ، البيان والتبيين، 2/ 6
                      (8) الجاحظ، البيان والتبيين، 1/116
                      (9) إيليا حاوي، فن الخطابة وتطوره عند العرب، ص 20
                      (10) ابن منظور، لسان العرب، المجلد الثالث، مادة: خطب
                      (11) عز الدين بن أثير، الكامل في التاريخ، طبعة ليدن، 1866، 2/ 27
                      (12) سورة الحجرات: الآية 13
                      (13) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 60 وما يليها
                      (14) سورة الحجرات: الآية 13
                      (15) الجاحظ، البيان والتبيين، 2/ 32
                      (16) يسري عبد الغني عبد الله ، دراسات في نثر عصر النّبوة،
                      القاهرة، 2014
                      (17) الجاحظ، البيان والتبيين، مرجع سابق، 2/31

                      (18) الجاحظ، البيان والتبيين، المرجع السابق، 2/33

                      تعليق




                      • النثر في عصر صدر الإسلام- كتاب نهج البلاغة للإمام عليِّ بن أبي طالب (ع) نموذجاً

                        الكتابة في عصر النبوة
                        الحلقة الثالثة
                        بقلم د. يسري عبد الغني عبدالله(1)

                        تحديد المفهوم:
                        نقصد بالكتابة هنا: الكتابة الفنية التي تندرج تحت فنون النثر الفني والأدب، تلك الكتابة التي يعمد فيها مبدعها إلى نوع من التزيين الجمالي، وتوظيف الأساليب البيانية والبديعية والمتباينة للتعبير عن الأفكار والمعاني ، والكتابة الفنية في عهد النبوة تتنوع إلى نوعين: الرسائل والعهود.
                        الكتابة الفنية بين
                        العصر الجاهلي وعصر النبوة:
                        إن البيئة الجاهلية بعامة لم تتوافر بها دواعي الكتابة الفنية، إلا في بعض المناطق المجاورة للحضارات الفارسية واليونانية، فقد اقتصرت الكتابة عندهم على: تسجيل معاملاتهم التجارية، وما يشبه ذلك من كتابة عهد، أو عقد حلف، في صورة بسيطة، بعيدة عن محاولة التأنق أو تحقيق قيمة من قيم الجمال الفني، ولسنا بهذا ننكر احتمال ظهور لون من الكتابة الفنية في الجاهلية، بل إننا نميل إلى ظهوره، خاصة في الممالك العربية المجاورة للحضارات الفارسية واليونانية (2).
                        جاء الإسلام وحث على القراءة والكتابة منذ أول آية نزلت حيث قال سبحانه وتعالى : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (3).
                        نضيف إلى ذلك عناية الرسول بالكتابة والقراءة، وحرصه الشديد على أن يتعلمها أبناء المسلمين الأوائل، كما هو بَيِّنٌ في خبر أسرى قريش في يوم بدر، حين أذن رسول الله لمن لم يستطع فداء نفسه أن يكون فداؤه تعليم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة.(4)
                        وقد تمثلت دواعي الكتابة في عصر النبوة
                        في ما يلي (5):
                        1 ـ حاجة المسلمين إلى الكتابة في تدوين القرآن الكريم
                        2 ـ حاجة المسلمين إلى كتابة الرسائل للدعوة إلى الإسلام
                        3 ـ حاجة المسلمين إلى الكتابة في شؤون الحرب والسلم، وكتابة العهود والمواثيق.
                        وإذا أنعمنا النظر في النصوص الكتابية لهذا العصر نجد أن الكتابة لم تتجه إلى التحبير والتزيين، وتوظيف الصيغ الأسلوبية الجمالية بقدر ما تتجه إلى التعبير عن الأفكار والمبادئ بلغة محددة خالية من أي صيغة جمالية ربما تعوق عن توصيل هذه الأفكار والمبادئ، لأن الكتابة: إما رسالة رسمية تحمل إلى المرسل إليه أفكاراً محددة ينبغي أن يستوعبها المرسل إليه بسهولة ويرد عليها، وإما عهدٌ أو ميثاقٌ ينص على بنود معينة ملزمة يجب أن تكون واضحة لدى المعني بهذا العهد أو هذا الميثاق (6).
                        نماذج من رسائل النبي وتحليلها:
                        إذا تأملنا كتب (رسائل) الرسول نجدها تتفرع إلى فرعين:
                        أ ـ كتبه التي كان يوجهها إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الدخول في الإسلام.
                        ب ـ عهوده ومواثيقه التي كان يكتبها للقبائل.
                        النموذج الأول:
                        رسالة الرسول محمد إلى هرقل ملك الروم:
                        ومن رسائل الرسول ، رسالته إلى هرقل إمبراطور الروم، ونصها: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم، اسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون . (7)
                        التحليل:
                        ـ إن الهدف الأساسي للرسالة هو دعوة هرقل (قيصر) ملك الروم للدخول في الإسلام حتى يسلم بإسلامه، وحتى يجازيه الله خيراً عن إسلامه، وعن إسلام كل من سيسلم بإسلامه، ثم يدعوه إلى كلمة التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
                        ـ ظهر نوع من التقنين لنظام الرسالة في هذه الفترة، وذلك في البدء والختام، فقد بدأت الرسالة بالبسملة، ثم ذكر المرسل والمرسل إليه، وتقديم التحية له، كما اشتملت على عبارة أما بعد في صدر الغرض (الموضوع )، وقد ختمت الرسالة بآية من آيات الذكر الحكيم.
                        ـ نلاحظ على الرسالة الإيجاز الشديد، الذي يتجلى في قوله: اسلم تسلم ، فتنطوي الكلمتان على ما جاء به الإسلام من سبل خلاص المسلم، وسلامته في الدنيا والآخرة.
                        ويرجع هذا الإيجاز إلى الهدف الذي من أجله كتبت الرسالة، وهو دعوة ملك الروم للدخول في الإسلام، وقد راعى الرسول في تبليغه للدعوة الإسلامية حال المرسل إليه، فأراد أن يوصل إليه المعنى بسرعة دون أن يجد مشقة في إدراك هذا المعنى.
                        ـ خلت هذه الرسالة من الصور الخيالية التي ربما تعرقل من سرعة إدراك المرسل إليه للمعنى المراد توصيله إليه.
                        النموذج الثاني :
                        رسالة الرسول إلى ملك دومة الجندل:
                        وكتب الرسول إلى أُكيدر دومة، وهو ملك دومة الجندل رسالة نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر دومة: إنا لنا الضاحية من الضحل والبور والمعاصي، وإغفال الأرض، والحلقة والسلاح، والحافر والحصن، ولكم الضامنة من الدخل والمعين من المعمور، لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحذر عليكم البات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤدون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين (8).
                        التحليل:
                        ـ استقر الدين الإسلامي واكتملت سياساته العامة، ومن ثم تناولت الرسالة السابقة تفصيل الحقوق والواجبات.
                        ـ بدأ التحبير يظهر في رسائل تلك الفترة، إضافة إلى وجوه تحسين الكلام، ومثال على ذلك السجع الذي نراه في الرسالة في قوله : لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، وقوله أيضاً: تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤدون الزكاة بحقها، ونجد الموازنة في قوله: عليكم بذلك عهد الله والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء .
                        ـ إيثار الرسول للفظة على أخرى، ونجد ذلك في اختيار لفظ (وخلع) بدلاً من كلمة (ترك)، أو ما يشبهها ففي الكلمة الأولى (خلع) معنى الترك، مع عدم العودة إلى عبادتها (عبادة الأصنام)، فخلع عبادة الأصنام يشير إلى التخلص نهائيًا من عبادة فاسدة، إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والشعور بالحرية.
                        ـ وعلى الرغم من طول هذه الرسالة نسبياً عن سابقتها إلا أنها مالت في بعض جملها إلى الإيجاز بالحذف، كما في قوله : لا تعدل سارحتكم أي: لا تعدل سارحتكم عن المرعى، وقوله: لا تعد فاردتكم ، أي: لا تعد فاردتكم في مال الصدقة.
                        ـ بدأت الرسالة بالبسملة، وذكر المرسل، والمرسل إليه، ثم عرض الموضوع، وختم الرسالة بإشهاد الله ومن حضر من المسلمين على ما ورد في تلك الرسالة.
                        السمات الفنية العامة للكتابة في عهد النبوة:
                        هناك خصائص فنية عامة للكتابة في عهد النبوة ،
                        يمكن إيجازها في ما يلي:
                        ـ ميل الكتابة في فترة العهد الأول للبعثة النبوية إلى البساطة والوضوح والتعبير المباشر عن المعنى، والبعد عن أساليب البيان إلا ما ورد دون قصد أو تعمد.
                        ـ الميل إلى الإيجاز غالباً في عرض الموضوع، بهدف التبليغ المباشر بالمضمون، مع مراعاة حال المرسل إليهم.
                        ـ ظهرت في كثير من نماذج الكتابة البنية النموذجية الشكلية للرسالة، والمتمثلة في: المقدمة / الغرض / الخاتمة، ومع ذلك فإن الرسول الكريم لم يلتزم نمطاً واحداً في بدء رسائله أو ختامها إذ كان يفتتح بعضها بعبارة: من محمد رسول الله إلى فلان، والبعض الآخر بـ أما بعد أو البسملة أو هذا كتاب من محمد رسول الله إلى فلان.
                        ـ كان يصدر كتبه بالسلام، فيقول للمسلم: سلام عليك أو السلام على من آمن بالله ورسول ، ويقول لغير المسلم: سلام على من اتبع الهدى وكان يتبع السلام بالحمد والاستغفار، وقد لا يتبعه بشيء منهما، كما كان يخلص إلى الموضوع بعبارة أما بعد، وقد لا يذكرها.
                        ـ أما ختام الرسائل فكان بالسلام على المسلم فيقول:والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، أو يقول: والسلام ، أما لغير المسلم فيقول: والسلام على من اتبع الهدى، وقد لا يذكر السلام نهائياً. (9)
                        المبحث الثاني
                        النثر في عصر الخلفاء الراشدين
                        تمهيد:
                        تطورت بعض الفنون النثرية مثل: الخطابة والكتابة الفنية تطوراً واضحاً في عصر الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم)، فقد انتقلوا بالفنون النثرية إلى آفاق جديدة، هيأتها الظروف السياسية التي ألمت بالدولة، منها: وفاة الرسول ، وردة العرب عن الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، والاضطرابات السياسية التي حدثت في الدولة الإسلامية وأدت إلى مقتل الخليفة / عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، ثم احتدام الصراع بين علي بن أبي طالب (ع)، ومعاوية بن أبي سفيان.
                        الخطابة في عصر الخلفاء الراشدين:
                        هيأت الظروف السياسية التي أشرنا إليها سابقاً والتي طرأت على الدولة بعد وفاة الرسول إلى ازدهار الخطابة، فقد كثرت الخطب من دعاة الأحزاب، كل يدعو لصاحبه، ويدافع عن حقه في الخلافة، نضيف إلى ذلك كثرة الفتوحات الإسلامية في هذا العصر، وفي السطور القادمة سنلقي الضوء على نماذج من خطب تلك الفترة، ونقوم بدراستها دراسة فنية... إلى أن قال: النموذج الثاني: خطبة لـ عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) في الجهاد:
                        وسوف نذكر هذه الخطبة ونقوم بتحليلها في الفصل الأخير من الباب الثاني حيث سنقوم بتحليل نماذج أدب الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، انطلاقاً من نشأته وحياته والعوامل التي أثرت في شخصيته وأدبه وأغراضه وخصائصه، فلعلنا نوفق إلى ذلك بإذن الله تعالى.
                        السمات الفنية العامة للخطابة في عهد الخلفاء الراشدين:
                        تطورت الخطابة وتنوعت من ناحيتين:
                        أ ـ من ناحية الموضوعات :
                        تطورت الخطابة في عصر الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم وأرضاهم)، وتعددت أنواعها تبعاً للواقع السياسي للعصر، حيث استمدت موضوعاتها من هذا الواقع.
                        ـ فكان هناك الخطابة الدينية التي يدعو فيها الخطيب إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ويعظ المستمعين، ويرشدهم إلى الطريق الصحيح.
                        ـ وهناك الخطب الحربية التي تنهض في أوقات الحروب، وفيها يحض الخطيب مستمعيه على الجهاد في سبيل إعلاء كلمة التوحيد... إلى غير ذلك من الموضوعات.
                        ب ـ من الناحية الفنية:
                        ـ كان للقرآن الكريم أثره البارز في تهذيب الألفاظ، والابتعاد عن حوشيها وغريبها، وابتغاء السهل منها، بهدف التعبير عن المعنى بوضوح وسلاسة، واستخدامها في معانٍ أخرى غير المعنى الأصلي الذي وضعت له، فقد ألبسها الإسلام لباس الشرعية، مثل: الجنة، النار، الصلاة، الزكاة... وغير ذلك.
                        حاول الخطباء محاكاة القرآن الكريم في أسلوبه، فساروا على نهجه في حسن الأداء، واستمداد المعنى منه، والشواهد التي تدعم أفكارهم وآراءهم.
                        ـ التراوح بين الإيجاز والإطناب في خطب هذه الفترة، فالإيجاز في موضعه لتوصيل الفكرة من أقصر الطرق دون تعمد يذكر، وقد مال البعض إلى الإطناب إذا استدعى المقام ذلك، مثل: اضطراب الأحداث، واشتعال الحروب، وكثرة الفتن... للتأكيد على المعنى، وإقناع المستمعين بها.
                        ـ توظيف الأساليب البيانية والبديعية المختلفة في التعبير عن المعنى، لتوضيحه وتأكيده في نفس المتلقين.
                        ـ ظهرت في بعض الخطب البنية الأساسية للرسالة: مقدمة / عرض / خاتمة، ولم يلتزم الخطباء مقدمة أو خاتمة محددة، بل تنوعت المقدمة والخاتمة بتنوع المقام، وحال الخطيب والمتلقي ونوع الموضوع الذي يعرض له (10).




                        الهوامش:
                        (1) يسري عبد الغني عبدالله، « دراسات في نثر صدر الإسلام » القاهرة، 2011م.
                        (2) صلاح الدين الهادي، «الأدب في عصر النبوة والراشدين»، مكتبة الخانجي، القاهرة ص 135.
                        (3) سورة العلق: الآيات 1 ـ 5.
                        (4) ابن سعد،«الطبقات الكبرى»، ط. ليدن، 2 / 14، وكذلك: شوقي ضيف، العصر الإسلامي، ص 129.
                        (5) د. مصطفى الشكعة، «الأدب في موكب الحضارة الإسلامية (النثر)»، الدار المصرية اللبنانية، ص 194.
                        (6) د. حسن البنداري، «النثر الفني في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي»، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ص 44.
                        (7) سورة آل عمران، ويمكن العودة إلى الرسالة في: أحمد زكي صفوت، جمهرة رسائل العرب، 1 / 34، وكذلك: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 649.
                        (8) أحمد زكي صفوت، «جمهرة رسائل» العرب، 1 / 49 ـ 50.
                        (9) يسري عبد الغني عبد الله، «دراسات في نثر النبوة»، مرجع سابق.
                        (10) يسري عبد الغني عبد الله، «دراسات في نثر صدر الإسلام»، القاهرة، 2011 م.

                        تعليق


                        • كتاب نهج البلاغة للإمام عليِّ بن أبي طالب (ع) أنموذجاً


                          عندما يكون للنبل فارساً
                          (تعريف المعرف به)
                          النثر في عصر صدر الإسلام الحلقة الرابعة
                          بقلم د. يسري عبد الغني عبدالله(1)

                          رجل من طراز فريد:
                          أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكان أصغر وُلد أبي طالب.
                          علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ولد في 13 رجب سنة 23 قبل الهجرة، (بعد ثلاثين عاماً من عام الفيل)، الموافق 17 مارس سنة 599 م، واستشهد في 21 رمضان (أو 17 رمضان ، سنة 20 هجرية، الموافق 27 يناير سنة 661 م، وهو ابن عمَّ الرسول الكريم والنبي الأمين وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله w، وصهره، وكافله حين توفي والداه وجدُّه، وهو رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول الأئمة.
                          ولد في مكّة المكرَّمة، وتشير مصادر التاريخ بأن ولادته كانت في جوف الكعبة، وهو ثاني الناس دخولاً في الإسلام، وأول من أسلم من الصحابة، هاجر إلى المدينة المنوّرة بعد هجرة الرسول الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام) بثلاثة أيام، وآخاه محمد (عليه الصلاة والسلام) مع نفسه حين آخى بين المسلمين.
                          لقد نشأ الإمام علي بن أبي طالب (ع) في بيت النبوة، فكان أول من أسلم من الصحابة، وتربى على أخلاق ابن عمه محمد بن عبد الله المبعوث هدى ورحمة للعالمين (عليه الصلاة والسلام)، وقد نشأ شجاعًا بطلاً لا يعرف الجبن، فقد نام في فراش النبي ليلة الهجرة، ثم هاجر وشارك في الغزوات المختلفة، كما أنه عايش الدولة الإسلامية حتى انتشر نورها في الآفاق وكان أعلم الناس بالقرآن الكريم.
                          ألقابه:
                          من ألقاب الإمام علي: ولي الله، المرتضى، حيدرة (الأسد)، أمير المؤمنين، يعسوب المؤمنين ويعسوب الدين (أي رئيس القوم أو كبيرهم أو مقدمهم)، الصّديق الأكبر، الفاروق الأعظم، باب مدينة العلم... وهي تسمية مستندة لحديث الرسول محمد بن عبد الله (عليه الصلاة والسلام) يقول فيه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهو حديث يقبله غالبية المسلمين، وقد أكده الإمام السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء)، وليد الكعبة: لما ذكر بأنه ولد داخل الكعبة المشرّفة، شهيد المحراب: لأنه قتل أثناء الصلاة، كما يكنّى بأبي الحسن، وأبي تراب، وأبي السبطين، وأبي الحسنين، وأبي الريحانين..
                          كان رضوان الله عليه من كتَّاب الوحي، وقد بلغت روايته عن رسول الله أكثر من 536 حديثاً.
                          شهد موقعة بدر، والحديبية وسائر المشاهد، زوجه النبي (عليه الصلاة والسلام) صغرى بناته السيدة فاطمة الزهراء u، وكانت سنها حينئذ 15 سنة، وخمسة أشهر ونصف، وسن علي (كرم الله وجهه) 21 سنة، وخمسة أشهر (في السنة الثانية من الهجرة)، فولدت له الحسن، والحسين، وأم كلثوم، وزينب (عليهم سلام الله أجمعين)، ولم يتزوج عليها غيرها حتى انتقلت إلى رحاب الله.
                          وُلِيَّ الخلافة بالمدينة يوم مقتل عثمان بن عفان (رضي الله عنهما) في ذي الحجة سنة 35هـ، ورحل عن المدينة إلى الكوفة العراقية فاستقر بها، وكانت خلافته 4 سنوات و9 أشهر و10 أيام.
                          قال أبو عمر في الاستيعاب: وأحسن ما رأيت في صفة علي (كرم الله وجهه) أنه كان ربعة من الرجال، إلى القصر ما هو، أدعج العينين (سواد العين مع سعتها)، حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حُسناً، ضخم البطن، عريض المنكبين شئن (غليظ) الكفين، عتداً (الشديد التام الخلق) أغيد (المائل العنق)، كأن عنقه أبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، كبير اللحية، لمنكبه مشاش (رأس العظم) كمشاش السبع الضاري، لا يتبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجاً، إذا تمشى تكفأ، وإذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس، وهو إلى السُمن ما هو، شديد الساعد واليد، وإذا مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قوي شجاع، منصور على من لاقاه.
                          ويرى أستاذنا العقاد أن مفتاح شخصية الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، هو أدب الفروسيّة، فقد بلغت به نخوة الفروسيّة غايتها المثلى، فلم ينس الشرف قط ليغتنم الفرصة.
                          علمه:
                          اتفق خصوم الإمام وأنصاره على بلاغته وفصاحته، كما اتفقوا على علمه وفطنته.
                          عرف عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، علمه الغزير، سواء كانت علوماً دينية أو دنيوية، فقد عرف ببراعته في علوم الرياضيات، وسرعته في حل المسائل الحسابية وبالذات تقسيم الميراث، كما ذُكر له وصف الذرَّة.
                          يضاف إلى ذلك تمكنه من علوم اللغة كالنحو والصرف والبلاغة، ويؤكد التاريخ على أنه كان معلِّماً لأبي الأسود الدؤلي ويقال إنه أوصاه بدراسة النحو لمواجهة ما شاع من لحن على ألسنة بعض الناس نتيجة لدخول العديد من العناصر والأجناس والقوميات إلى الدين الإسلامي.
                          كما يقال إنه أول من صنّف كتابًا في الفقه، وكان معلِّماً لعبد الله بن عباس، وكان يحثُّ النّاس على سؤاله حرصاً منه على نشر العلم..
                          ويروي بعض المصادر أن حتى خادمته فضة كانت محبة للعلم بل كانت تعلم علم الكيمياء.

                          الإمام علي بن أبي طالب (ع) عند غير المسلمين:
                          وبالنسبة لرأي غير المسلمين في شخصية الإمام علي (ع)، فقد أثنى عليه بعضهم مثل: (ادوارد جيبون) في كتابه الشهير « أفول وسقوط الدولة الرومانية » ، وكذلك السير وليم موير، وقال عنه الشاعر الفيلسوف جبران خليل جبران: إن علي بن أبي طالب هو كلام الله الناطق، وقلب الله الواعي، نسبته إلى من عاداه من الأصحاب شبه المعقول إلى المحسوس، وذاته من شدة الاقتراب ممسوس في ذات الله، والبعض الآخر من غير المسلمين لديه رؤى غير سلبية تجاه علي بن أبي طالب، مثل: هنري لامينز، وفي واقع الأمر أن هؤلاء أصحاب الرؤية السلبية لم يتسنَّ لهم قراءة ودراسة حياة وفكر الإمام علي (كرم الله وجهه)، ولو تسنى لهم ذلك لحكموا الحكم الصحيح وذهبوا إلى الرأي الصائب في كلامهم عن الإمام (كرم الله وجهه).
                          تراثه:
                          وبالنسبة لتراثه (رضي الله عنه)، فيُعّد كتاب: (نهج البلاغة) من أهم الكتب لدى المسلمين والذي يحتوي على العديد من حكمه وأقواله ووصاياه، وقد جمعه الشريف الرضي، ويرى البعض عدم صحة نسب الكتاب لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، إلا أن واقع الحال وبالأدلة الموثّقة والبراهين المؤكدة فإن الكتاب منسوب للإمام علي (رضي الله عنه)، وهو من الكتب المعتبرة لدى جماهير غفيرة من المسلمين ، ويعتبره جلّهم من أهم الأعمال الفقهية والدينية والسياسية في الإسلام، وقد تم تأليف العديد من الشروح والتعليقات على هذا الكتاب القيم من مختلف الكتّاب والدارسين والباحثين في مختلف العصور ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المدائني، وشرح الأستاذ الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً.
                          ومن الكتب المنسوبة إليه (ع) كتاب: (أنوار العقول من أشعار وصي الرسول)، وكذلك ينسب إليه ديوان فيه أشعار لقوافي جميع أحرف الهجاء، وجدير بالذكر هنا أن مؤلفه أو جامعه العالم قطب الدين الكيدلي، المتوفى عام 610 هـ .
                          كما ينسب إليه (ع) كتاب: (غرر الحِكَمْ ودرر الكَلِمْ)، وهو عبارة عن مجموعة معتبرة من الحِكَم والأقوال القصيرة التي قالها الإمام علي بن أبي طالب(ع) ، في مناسبات مختلفة ، قام بجمعها عبد الواحد الآمدي التميمي، والمتوفى سنة 550 هـ.
                          وتنسب إليه مخطوطة لكتاب فيه شرح لقصيدة: (البُردة) لكعب بن زهير، محفوظة في مكتبة الروضة الحيدرية بالنجف الأشرف.
                          والمعروف أن الإمام علي بن أبي طالب (ع) كان من كتّاب الوحي، وهناك روايات تؤكد على أنه أول من جمع القرآن الكريم ، وتنسب له ثلاثة مصاحف مكتوبة بخط يده أولها محفوظ بمتحف مدينة صنعاء العاصمة اليمنية ، والثاني محفوظ بمكتبة رضا رامبور بالهند ، أما المصحف الثالث فيمتلك المركز الوطني للمخطوطات بالعراق اثنتي عشرة صفحة منه ، وباقي المصحف محفوظ في مكتبة أمير المؤمنين في النجف الأشرف
                          كما ينسب له العديد من الأحاديث المرويّة عن النبي محمد ويقال أنها أكثر من 500 حديث ، وردت في مختلف كتب الحديث لكافة الفرق الإسلامية ، كما ذكرنا لك من قبل .
                          شخصيته في الأدب:
                          اهتم الكثير من الأعمال الفنية والأدبية والفكرية بشخصية الإمام علي بن أبي طالب (ع)، حيث تناولت العديد من الكتب حياة الإمام لمؤلفين وكتّاب من المسلمين في مختلف العصور، نذكر منها على سبيل الأمثلة لا الحصر:
                          كتاب «خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) » للحافظ الحجة أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المولود عام 215 هـ، وقيل 214 هـ، وتوفي عام 303 هـ، هذا الكتاب الذي قدّم له وخرّج بعض حديثه الشيخ عبد الرحمن حسن محمود، وصدر عن مكتبة الآداب ومطبعتها بالقاهرة في مايو 1406 هـ / 1986 م، هذا الكتاب به الكثير من الهنات في التقديم له وفي تخريج أحاديثه، وقد قمنا بدراسته وتحقيقه وتدقيقه وتخريج أحاديثه، آملين أن يجد هذا الكتاب الصغير الحجم العظيم القيمة من يتولاه بعنايته ويخرجه إلى النور، ليعّم نفعه على كل محبيّ العلم، بما يليق مع مكانة النسائي الإمام الورع، الثقة الثبت، الحافظ المجيد، المحب العاشق للإمام علي بن أبي طالب وآل بيت رسول الله الهادي البشير (عليهم سلام الله أجمعين) وعلى آله وصحبه.
                          ولأن الشيء بالشيء يذكر: فقد ذكروا أن الإمام النسائي أُمتحن في دمشق السورية محنة شديدة سببت له مرضًا عضالاً، وطلب من محبيه أن يحملوه إلى مكة المكرمة، فحملوه إليها، وانتقل إلى رحمة الله بها راضياً مرضياً، وسبب المحنة أنهم طلبوا إليه تفضيل معاوية بن أبي سفيان على الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فقال: ألا يرضى معاوية رأساً برأس حتى يفضل علياً ؟!، وجرت له ـ بسبب ذلك ـ أحداث جسام، أهانوه وضربوه وعذبوه، حتى أشرف على الموت، رحمه الله رحمة واسعة.
                          ونذكر كتاب:«مناقب الأسد الغالب» للعلامة الجزري، وكتاب:«عبقرية الإمام علي» لأستاذنا عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد ضمن سلسلة العبقريات الإسلامية، وتناول في الكتاب نشأته وثقافته ونبوغه الأدبي في الشعر والفصاحة والبلاغة، كما يتحدث عن حياته كخليفة ورجل سياسة، وسماه الشهيد أبا الشهداء.
                          كما ألف أستاذنا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين كتاب:«الفتنة الكبرى» في جزءين ، وكان الجزء الثاني منه بعنوان: «علي وبنوه»، جاء فيه أن الفرق بين علي ومعاوية عظيم في السيرة والسياسة، فقد كان علي مؤمنًا بالخلافة، ويرى من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، أما معاوية فإنه لا يجد في ذلك بأساً ولا جناحاً، فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون، وكان الزاهدون يجدون عند علي ما يحبّون.
                          علي بن أبي طالب في الفن:
                          وللإمام علي بن أبي طالب
                          العديد من الصور المرسومة، منها:
                          صورة يفترض أنه تم رسمها على جلد غزال من قبل شخص معاصر له، وهناك نسختان من هذه الصورة، أحداهما محفوظة في المتحف الإيطالي في العاصمة الإيطالية روما، والأخرى محفوظة بمتحف اللوفر، ويذكر هنا أن له العديد من الصور المرسومة في العديد من متاحف العالم تعتمد على صفاته المرويّة.
                          وفي كثير من الصور يظهر علي وبقربه أسد رابضٌ كناية عن إحدى كراماته، فقد رأيت رسمًا تخيّلياً للإمام علي وهو يقاتل عمرو بن ود خلال غزوة الخندق، ومثل هذه الرسومات كانت موجودة في مصر وتعلّق في المنازل، ويتبارك بها الناس معتزين بها، وذلك قبل أن يتسلل إلى تسامحنا واعتدالنا التعصّب المقيت والانغلاق الغريب.
                          كما رأيت في دار الكتب المصرية أثناء عملي بها نسخة من صورة موجودة بالعراق الشقيق عبارة عن مخطوطة كتبت وسط إطار فني مبدع، مخطوطة تناظرية لاسم الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) يميناً، والإمام علي بن أبي طالب (ع) يساراً، وقد حاولت أن أتعرف إلى الفنان الذي أبدع هذا الرسم إلا أنني لم أتمكن من ذلك، حيث أكد لي العديد من الأصدقاء الباحثين في الفن الإسلامي أن هناك آلاف اللوحات رسمت حبًا في آل بيت رسول الله (عليه الصلاة والسلام)، دون أن يكون لها فنانٌ محددٌ.
                          ـ كما اطلعت على صورة من رسم تركي عثماني للرسول محمدw، وهو يزوج ابنته السيدة فاطمة الزهراء u بابن عمه الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وقد غطي وجه فاطمة والنبي محمد باللون الأبيض احتراماً لهما، وهو رسم على درجة عالية من الدقة والجمال والإتقان.
                          واطلعت في دار الكتب المصرية أيضاً على مخطوطة لمقولة: (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) والتي يقال إن الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، قالها للإمام علي بن أبي طالب(ع).
                          كما رأيت صورة جميلة متقنة في إبداعها تصور المسلمين وهم يبايعون الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالخلافة، وقد استخدم فيها الفنان الذي رسمها مجموعة من الألوان الهادئة المعبّرة.
                          واطلعت على رسم تركي عثماني لموقعة الجمل، وقد غطي وجه كل من السيّدة عائشة، والإمام علي بن أبي طالب (ع)باللون الأبيض.
                          ورأيت صورة لرسم جميل لاسم الإمام علي بن أبي طالب (ع) على أحد الصحون الجداريّة العملاقة في (أيا صوفيا) بتركيا.
                          وقد ظهرت شخصية الإمام علي بن أبي طالب على شاشة التلفاز العربي لأول مرة بعد منع الأزهر الشريف لتجسيد آل البيت أو الصحابة (رضي الله عن الجميع)، وذلك عن طريق مسلسل عمر بن الخطاب الذي أثار جدلاً بين المسلمين لدى عرضه، وقد كان من إخراج المخرج السوري حاتم علي، وقد جسّد دور الإمام علي بن أبي طالب الممثل التونسي غانم الزرلي.
                          وختاماً لهذا الفصل نقول: قُتل (كرم الله وجهه) بالكوفة العراقية غِيلَةً، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي، حين دخل المسجد، وذلك في يوم 17 من رمضان سنة 40 هـ.
                          الهوامش:

                          (1) باحث وكاتب من جمهورية مصر العربيّة.

                          تعليق



                          • كتاب نهج البلاغة للإمام عليّ بن أبي طالب (ع)أنموذجا


                            نظرة تاريخية ـ عندما تكون المصادر في مواجهة الانتحال
                            الحلقة الخامسة
                            بقلم د. يسري عبد الغني عبدالله

                            نهج البلاغة.. أصالة باعتراف الجميع:
                            في كتابه القيم (أهل البيت عليّهم السلام بنظرة وحدوية حديثة)، يقول الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف عمرو: أنه يشكر صديقه العزيز سيادة المطران جورج صليبا على ما لمسه من محبته وتقديره لمولانا أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، حيث قام القاضي يوسف عمرو بزيارة المطران وأهداه نسخة جديدة من كتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، بشرح العلامة الشيخ محمد عبده، فأخذها شاكراً وقبلها ووضعها فوق رأسه، ثم أخذ يتكلم حول محبته لشخصية الإمام عليّ بن أبي طالب (ع).
                            ولسيادة المطران كلام طيب في اللغة العربية والحضارة الإسلاميّة منذ صدر الإسلام ولغاية أيامنا هذه، ويعلق الدكتور يوسف عمرو على كلام سيادة المطران حول استبقاء واستفادة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، للحِكَمْ، والأمثال، والأقوال في كتاب نهج البلاغة من أنبياء التوراة (العهد القديم)، ومن الأناجيل (العهد الجديد )، ومن حكماء الهند، وفارس، واليونان، فهذاـ كما يرى الدكتور يوسف عمرو ـ ونحن معه في هذا ـ، شيء مخالف للحقيقة وللواقع، ولإجماع المسلمين من مؤرخين، وفقهاء، وأدباء... وغيرهم.
                            إذ أن إجماع المسلمين، منذ فجر الإسلام ولغاية أيامنا هذه، بتلمذة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) على نبيّنا مُحمد w منذ نعومة أظفاره، وحتى شبابه وصحبته وملازمته لرسول الله w في حلّه وترحاله. وبتلمذته للقرآن الكريم حتى أصبح (ع)، في حياته وسيرته وأخلاقه وهديه مع الحقِّ والحقُّ معه مصداقاً لحديث رسول الله w:« رحم الله عليّاً، اللّهم أدر الحقَّ معه حيث دار» على ما أخرجه الحاكم في مستدركه، ج3، ص 124.
                            ويؤكد العديد من الرواة وأهل التأريخ أن الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، كان أول أهل الإسلام لحوقاً بالهادي البشير (عليّه الصلاة والسلام)، وأشدهم به لصوقاً، وكلنا يحفظ عن ظهر قلب قول رسول الله (عليّه الصلاة والسلام):« أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب»، وقول رسول الله مُحمّد w أيضاً:« أنا دار الحكمة، وعليّ بابها» ـ وكذلك قوله: رحم الله عليّا، اللّهم أدر الحقَّ معه حيث دار».
                            ويقول الدكتور يوسف عمرو أنه يؤمن بقول كبير أدباء لبنان جبران خليل جبران، الذي قرأ للأنبياء وللحكماء والأدباء وللعظماء في العالم، حيث خلص للقول بعد ذلك: إن عظماء الإنسانية ثلاثة: المسيح ومحمد وعليّ.
                            ويعلق الدكتور الشيخ يوسف عمرو قائلاً: فإن أولئك العظماء الثلاثة من أبناء إبراهيم (ع)، وكانوا على دين إبراهيم وهديه، ونحن وإياكم يا سيادة المطران نؤمن بقول كبير أدباء لبنان جبران الآنف الذكر، ونهتدي بهدي إبراهيم وآل إبراهيم في الدنيا والآخرة، إن شاء الله تعالى.
                            وقد أعجب سيادة المطران صليبا بما قاله الدكتور الشيخ يوسف عمرو إعجاباً شديداً ووافق عليه. (1)
                            يعتبر كتاب: (نهج البلاغة) أبلغ ما أُثر عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، من خطب، ورسائل، ومواعظ، وحِكَمٍ، جمعها أبو الحسن محمد بن الحسين المعروف بالشريف الرضي (359هـ ـ 406 هـ) (970 م ـ 1015 م)، وقد رتبَّ الكتاب على ثلاثة أبواب، يقول في مقدمته: ورأيت كلامه(ع)، يدور على أقطاب ثلاثة، أولها: الخطب والأوامر، وثانيها: الكتب والرسائل، وثالثها: الحكم والمواعظ، فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم والأدب، مفرداً لكل صنف من ذلك باباً، ومفصلاً فيه أوراقاً.

                            ونسبة جمع هذا الكتاب إلى الشريف الرضي هو ما يشيع بين جمهور المتأدبين قديماً وحديثاً، غير أن هذا الأمر قد دار حوله الجدل والنقاش، فيرى بعض العلماء أن الذي جمع (نهج البلاغة) ليس أبا الحسن محمد بن الحسين، وإنما هو أخوه أبو القاسم عليّ بن الحسين، المعروف بالشريف المرتضى (355 هـ ـ 436 هـ) (966 م ـ 1044 م).
                            يقول ابن خلكان (توفي: 681 هـ): وقد اختلف الناس، هل هو جمعه (يعني الشريف المرتضى) أم جمع أخيه الرضي؟ (2).
                            وقد سار الجدل حول النصوص ذاتها، التي حواها كتاب (نهج البلاغة)، فيرى بعضهم أنها ليست من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، بل وضعها جامعها ثم عزاها إليه، ويقول ابن خلكان كذلك: وقد قيل أنه ليس من كلام أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، إنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم.
                            ويجيء الذهبي (المتوفى: 748 هـ ) من بعده فيجزم بأن واضع الكتاب هو الشريف المرتضى، يقول: وهو الذي ينسب إليه وضع كتاب: (نهج البلاغة).. ومن طالع كتابه (نهج البلاغة) جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين عليّ (ع)، ويعلل ذلك بأن في الكتاب مساساً بالصحابة (رضوان الله عليّهم)، فمن المستبعد أن يصدر مثله عن الإمام عليّ (ع). (3)
                            وليس ابن خلكان هو أول من ذكر الخلاف حول كتاب (نهج البلاغة)، بل كان له صداه في القرن السادس الهجري، حيث يذكر ابن أبي حديد (586 هـ. 656 هـ): عز الدين عبد الحميد بن أبي حديد المدائني، أحد شُرّاح كتاب: نهج البلاغة، وشرحه أوسع هذه الشروح وأشملها، يذكر بعد أن شرح الخطبة المعروفة بالشقشقية رواية عن أستاذه أبي الخير مُصدّق بن شبيب الواسطي (المتوفى: 605 هـ)، أنه قال له سنة 603 هـ: قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب (492 هـ. 567 هـ) هذه الخطبة... فقلت له: أتقول أنها منحولة؟!، فقال: لا والله، وأني لأعلم أنها كلامه، كما أعلم أنك مُصدَّق، قال: فقلت له: إن كثيرًا من الناس يقولون أنها من كلام الرضي q فقال: أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس، وهذا الأسلوب؟!، وقد وقفنا على رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور، وما يقع مع هذا الكلام، ثم قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كُتب صنّفت قبل أن يولد الرضيِّ بمائتي سنة، ولقد وجدتها مُسطورة بخطوط أعرفها، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب، قبل أن يولد النقيب أبو أحمد والد الرضي. (4)
                            هذا، ولم يفت الدراسات الحديثة أن تقف أمام ما أثير من شُبهات حول كتاب: (نهج البلاغة)، وأجمع هذه الدراسات إحاطة هو ما قدمه الأستاذ امتياز علي عرشي، في بحثه المعنون بـ: (اسانيد نهج البلاغة)، هذا البحث الذي نشرته مجلة (ثقافة الهند في شهر ديسمبر سنة 1957 م)، وقام بتعريبه الأستاذ عامر الأنصاري، وقد أثبت البحث أن جامع (نهج البلاغة) هو الشريف الرضي، لا المرتضى مُعتمداً على ما يأتي:
                            1 ـ ما ذكره النجاشي، وهو معاصر للشريفين، في كتاب الرجال، أن مؤلف أو جامع نهج البلاغة هو الشريف الرضي. (5)
                            2 ـ في مقدّمة كتاب (نهج البلاغة) إشارة إلى أن جمعه كان بعد تأليف كتاب: (خصائص الأئمة)، وكذلك في بعض خُطب (نهج البلاغة) إشارة إلى هذا الكتاب، وكتاب (خصائص الأئمة الإثني عشر) قد عدَّه النجاشي في كتاب الرجال من مؤلفات الشريف الرضي.
                            3 ـ ذكر النجاشي وغيره من المؤرخين أن للشريف الرضي تفسيراً عنوانه: (حقائق التنزيل)، وقد أبقى الزمن منه المجلد الخامس، وتمَّ طبعه في النّجف الأشرف سنة 1937م، وفي الصفحة 167 من هذا الكتاب، يقول الشريف الرضي: من أراد أن يعلم برهان ما أشرنا إليه من ذلك، فلينعم النظر في كتابنا الذي ألفناه ووسمناه بـ (بنهج البلاغة)، وجعلناه يشتمل على مختار جميع الواقع إلينا من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ...
                            4 ـ نسب المؤرخ النجاشي وغيره من المؤرخين الموثوق بهم للشريف الرضي كتاب (مجازات الآثار النبوية)، وفي هذا الكتاب إشارات واضحة إلى كتاب: (نهج البلاغة )، وإنه من تأليف وجمع صاحب المجازات (أي من تأليف الشريف الرضي)
                            5 ـ بلغ عدد شروح كتاب: (نهج البلاغة) باللغتين العربية والفارسية ما ينيف على أربعين شرحاً (هناك العديد من الشروح بلغات شرقية أخرى، رأيتها واطلعت على بعضها في دار الكتب المصرية بالقاهرة أثناء فترة عملي بها)، أهم هذه الشروح، وأوفاها شرح ابن أبي الحديد المدائني، وقد نسب تأليف (أو جمع) كتاب: (نهج البلاغة ) إلى الشريف الرضي، وقد سبقه من أصحاب الشروح إلى ذلك: أبو الحسن البيهقي (المتوفى: 588 هـ)، وأبو الحسين الراوندي (المتوفى : 573 هـ)، وجاء من بعدهم من جزم بذلك كابن ميثم البحراني (المتوفى :679 هـ) ، وكمال الدين العتائقي الذي ألف شرحه لكتاب: (نهج البلاغة) سنة 770هـ.
                            المصادر في مواجهة الانتحال:
                            نقول (وبالله التوفيق): وإذا ثبتت نسبة كتاب: (نهج البلاغة) إلى الشريف الرضي، فقد بقي عليّنا أن نتعرف على مصادره، ضمانًا لنفي الانتحال عنه، ولم يذكر الشريف الرضي إلا النزر اليسير، مثل كتاب: (البيان والتبيين) لشيخنا أبو عَمرو عثمان بن بحر الجاحظ، وكتاب (الجمل) للمؤرخ الواقدي، وكتاب (المقامات) لأبي جعفر الإسكافي، وكتاب (المغازي) للمؤرخ سعيد بن يحيى الأموي، وتاريخ الطبري، والمقتضب للمبرد.
                            ثم أنه قد يشير إلى الأعلام دون مؤلفاتهم، فقد ذكر أنه نقل من خط: هشام بن الكلبي، كما ذكر في أثناء كتابه: أبا عبيد القاسم بن سلام.
                            ويبدو أنه لم يكن من هَمِّ الشريف الرضي أن يشير إلى مصادره التي اعتمد عليّها أو نقل منها، ولو أنَّه فعل ذلك لوجدنا مصادر متقدمة أثبت البحث أنهّا قد حفلت بكثير مما في كتاب: (نهج البلاغة) من خُطب، ورسائل، وحكم، وقد أشار إليها ابن أبي الحديد في شرحه الشهير، كما تقصى هذه الغاية الباحث الأستاذ امتياز عليّ عرشي في دراسته المعنونة بـ (اسانيد نهج البلاغة)، والتي سبق وأشرنا إليها.
                            وبعد، فهل كل ما ورد في كتاب: (نهج البلاغة)، وأثبتته المصادر المتقدمة على عصر الشريف الرضي، يمكن أن ينسب إلى الإمام عليّ بن أبي طالب(ع) ؟، ذلك ما اختلف فيه الرأي، وتعددت فيه المذاهب.

                            يرى بعض الدارسين أن ما ورد في كتاب: (نهج البلاغة)
                            لا يمثل أدب الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، مُحتجاً بما يلي:
                            1ـ خلو الكتب الأدبية والتاريخية التي ظهرت قبل الشريف الرضي من كثير مما في كتاب: (نهج البلاغة).
                            2ـ ما ورد في بعض خطب الكتاب من دقائق الأفكار التي لا تتناسب وعصر الإمام، وكذلك إطالة الكلام إلى حد لم يؤلف أو لم يعهد في هذا الوقت، كما في عهده لمالك بن الأشتر النخعي، ثم ما عهد في (نهج البلاغة) من السجع، ومن المستبعد أن يسجع الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، في خطبه، والرسول الكريم محمد بن عبد الله (عليّه الصلاة والسلام) قد نهى عن السجع، وأخيرًا ما تردد في الكتاب من الأسلوب الصوفي، وبعض المصطلحات العلمية التي لم تعهد إلا في أزمان متأخرة، وفي رأينا المتواضع أن هذا الكلام يحتاج إلى إعادة نظر بالكلية، كما أنه يحتاج إلى المزيد من التدقيق والتحقيق والإدراك والفهم لمقتضيات الأدب والتاريخ.
                            3ـ ما في كتاب : (نهج البلاغة) من قول جارح يمس الصحابة، مثل ما ورد في الخطبة الشقشقية (لقوله فيها): «إنها شقشقة هدرت ثم قرّت ...»، ونؤكد على أن من رابع المستحيلات أن يجرح الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، صاحب الخُلق الرفيع والأدب الجم السامي، أي إنسان مهما اختلف عنه، فما بالك بالصحابة الأجلاء (رضوان الله عليّهم أجمعين)، الذي عاش ومات وهو يكنُّ لهم عظيم التقدير وخالص الاحترام، ما أحرانا أن نتأكد من الأمور ونحكم عليّها داخل سياقها التاريخي الصحيح، وفي إطارها الحقيقي، بعيداً عن التهويل أو التهوين، بعيداً عن التعصب المقيت الذي يضرنا جميعاً، ولا يعود عليّنا بأي نفع.
                            أقول لكم: هذا مجمل ما يحيط بكتاب: (نهج البلاغة) من شُبهات، وقد تصدى لها العديد من أهل العلم والفكر والأدب والتاريخ ينقضونها، وإن كانوا لا يستطيعون أن ينكروا أن بعض ما في كتاب (نهج البلاغة) دخيل على أدب الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، كما أن بعض كلامهم قد تناولته الأقلام، على مرور الأيام، حتى أُقحم فيه ما ليس منه.
                            ولنا رد في هذا المقام:
                            ـ أما الشبهة الأولى: فقد قدّمنا رأي البحث فيها، وأثبتنا أن المصادر التاريخية والأدبية قبل الشريف الرضي قد أحاطت بكثير مما ورد في كتاب: (نهج البلاغة)، وها هو المؤرخ المسعودي صاحب كتاب: (مروج الذهب) يقول لنا: والذي حفظ الناس عنه من خُطبهِ في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة ... (6)
                            ـ أما الشبهة الثانية : وهي التي تقوم على نقد ما في نصوص كتاب: (نهج البلاغة) من أسلوب وأفكار، فقد أُجيب عليّها بأنه ليس مُستبعدًا على الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، سيد الخطباء، وقد صحب رسولنا الكريم w منذ الصغر أن نرى له هذه النظرات النافذة والحكيمة الواعية، وتلك الحكم الصائبة، كما أنّه ليس مُستبعدًا على فصاحة الإمام الجليل أن يُرى ممتد النفس، مسترسلا نحو الغاية، وأما ما تردد في (نهج البلاغة) من المصطلحات، فيقطع بعضهم بأنها دخيلة على خطب الإمام وكلامه، وهنا نطالب المعترضين والمشككين بضرورة التأني، والتفهم لمقتضيات الحال والأحوال، وعمق الإدراك في الحكم على هذا الأمر.
                            ـ وأما الشبهة الثالثة: فيجيب بعضهم عنها، على الفرض بتسليم ما ورد من ذلك، وأنه من كلام الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، الذي عانى الكثير والكثير هو وآل البيت المطهرين (عليّهم سلام الله أجمعين)، بأنه نفثة مصدور، وأنة مكلوم ، على أن ما ورد من ذلك لا يتعدى الخطبة الشقشقية (وفقًا لفهم البعض). (7)
                            وختاماً: وأياً ما كان الأمر فكتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، في جملته وتفصيله أثر أدبي خالد، بل دُرَّةٌ أدبية يتيمة لا نَظِيرَ لها ولا مثيل، يمثل بحقِّ البلاغة العربية في إشراقها ونضارتها، وسموها ودنوها، سموها حين تطيف بدقائق المعاني، فتجلوها وتقدّمها مضيئة محددة المعالم والقسمات، ودنوها حين تصل إلى القلوب ، فتملك عليّها أزمتها، وإلى العقول فتصغي إليها في جلال، وتأخذ منها بزاد كبير.

                            الهوامش:
                            (1) القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو، « أهل البيت (ع) بنظرة وحدوية حديثة»، الطبعة الأولى، دار المحجّة البيضاء، بيروت، 1429 هـ. 2008 م، ص 249 وما بعدها، ويجدر بالذكر هنا أن للمفكر الكبير الأستاذ الدكتور يوسف عمرو العديد من المؤلفات (حوالي 35 مؤلفاً )، في الدراسات العربيّة والإسلاميّة والتاريخيّة والأدبيّة، وهو صاحب ورئيس تحرير مجلة: (إطلالة جُبيليّة) اللبنانية.
                            (2) ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1967/ 1973، 3/416.
                            (3) الذهبي ، ميزان الاعتدال، 3/ 124.
                            (4) ابن أبي الحديد، « شرح كتاب نهج البلاغة »، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة، 1/ 205.
                            (5) النجاشي هو أبو العباس أحمد بن علي ، (372 هـ ـ 450 هـ) (982 م ـ 1058 م) ، مؤرخ عاش وتوفي في بغداد ، وكتابه « الرجال في تراجم علماء الشيعة وأسماء مصنفاتهم ».
                            (6) المسعودي، « مروج الذهب »، طبعة دار التحرير للنشر والصحافة والتوزيع ، القاهرة ، 1/ 613.
                            (7) أبو الحسن محمد بن الحسين المعروف بالشريف الرضي، كتاب «نهج البلاغة» وهو ما اختاره من كلام، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، شرح الإمام محمد عبده ، تحقيق وتعليق: محمد أحمد عاشور، و محمد إبراهيم البنا، سلسلة كتاب الشعب، دار ومطابع الشعب، القاهرة، 1969، ص 8، بتصرف من عندنا.

                            تعليق



                            • رؤية في أسلوب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (ع) - الحلقة السادسة


                              بقلم د. يسري عبد الغني عبدالله

                              أولاً ـ سلطة فائقة
                              إنّ النّص في كتاب نهج البلاغة للإمام عليِّ بن أبي طالب(ع)، يتمتع بسلطة فائقة، محكمة، نادرة، وهي تحيل من يقرأ الكتاب أو يستمع إلى فقرات منه إلى أنموذج العلاقة بين الأسلوب والأفكار، فثمة نّص شكلي، قائم على إبداعية الشكل، وهو نّص إنتاجي من عمل الفنان المُبدع، إلا أنّه يتمتع بمزاياه الفنية الخالصة، كشكل فني قوي الاتصاف، سواء بصورته التجريدية أو بصورته الرمزية، أو بكيفيته التقليدية.
                              أقول لكم: قد يكون النّص، مثل اللوحة التي تحاكي الطبيعة أو الواقع، أو أنّه يكون أداة للتعبير عن الذات، بكل قدرات التعبير الممكنة، وعادة ما يكون التعبير النثري مُتعرّضًا للشدّ والجذب بين قطبي الذات والموضوع ، بما يرافق ذلك من توسعات لغويّة، أو حشوٍ، أو فجوات، أو نواقص.
                              وهو أي التعبير النثري، في ملاحقته للأفكار، ينتهج طرائق وأساليب متباينة عادة في درجة نجاحها، فهو أحيانًا يصل إلى الأفكار، وأحيانًا يتقدم عليها، أو يتخلف عنها، وهو في بعض الأحيان يتلامس معها، وقد يُعَبّرُ عنها بصراحة أو بإيحاء، بوضوح تامٍ أو بإيماء.
                              في بلاغة الإمام عليِّ بن أبي طالب (ع) أنموذج رفيع للنص المتطابق أو المتلائم أو المتناسق الذي يجسد سلطة الإمام علي بن أبي طالب على نفسه، تلك السلطة التي ينطلق منها في رؤية العالم الخارجي أو فلنقل العالم المحيط به.
                              وتوضح سيرة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، أحسن توضيح تلك الطبيعة الصادقة التي تتبلور في عرض المعاني (معانيه هو) وفي البلاغة البيانيّة، وقد تعلّمنا أن الرجل هو الأسلوب، والأسلوب يأتي من الحياة التي يعيشها المُبدع بكل تجاربها وظروفها ومقتضياتها، وهكذا كان أسلوب الأمام عليِّ (ع) بكل ميزاته المتفردة.
                              إنَّ النّص لديه ينقل أفكاره بصدقٍ تام، أفكاره التي تنبع من نفس تُعلي دائمًا وأبداً من شأن العدل والخير والحقّ والجمال والتسامح، بمعنى أنّه يُعطي صورة للبلاغة انطلاقاً من قيمه التي يؤمن بها، ومبادئه التي يدافع عنها، كل ذلك عبر ميزان دقيق يستبعد كل بلاغة تتجول في جولات الأساليب، والشكليات المتغيرة التي قد نتوه عبرها دون فائدة مرجوّة تذكر.
                              إنَّه حقاً، كان قادراً في فنونه البلاغيّة المُبدعة التي منطلقها الصدق الفني الذي هو محور الأدب الخالد الصادق الذي يعيش في كل زمان ومكان، مهما تغيّرت الظروف والصروف والأحوال.
                              عليٌّ (ع) لم يندمج بأسلوبه في ظاهرة البلاغة من أجل البلاغة أو فلنقل الزخرفة بأنواعها المختلفة، التي كانت الإطار المعروف لعملية إيصال الأفكار للقارئ أو السامع في تلك المرحلة الأدبية أو التاريخيّة.
                              كانت أفكار إمام المتّقين توصل على نَحو فعال بتصعيدات بلاغيّة تثير الإعجاب لكل من تتلقاها أذنه أو تصافحها عيناه، أي أنَّ البلاغة كانت تتولى الإضافات فوق المعاني وحولها، بالتعبير عن موهبة بلاغية مُعجبة، فثمة معان تتخللها، وتحيط بها حلى أو زركشات لفظية، مدللة على القدرة البيانية، التي شاعت شعراً ونثراً منذ العصر الجاهلي.
                              بلاغة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) تبلورت في النّص الذي يخرج من رحم اللغة مثل الوليد الجديد، وهو في الوقت ذاته يخرج من عالم الأفكار مثل الفكرة الجديدة الباهرة المُعلّمة المرشدة المضيئة.
                              إنّه يتناول مسائله الفكرية وكأنّها تولد تواً، وكذلك في تناوله للمسائل الفكرية أو العقلية المتداولة والمشتركة وكأنها معطيات جديدة أو مبتكرة، ذلك لأن قدرته البلاغية يمكن أن نصفها بالقدرات الابتكارية التوليدية.
                              إنّ النّص يولد لديه متكاملاً، في تأديته الوظيفية الخاصة به ولسان الحال يقول: نصٌّ بلا وظيفة أو فكر ينفع ويفيد لا قيمة له البتّة، رغم أنه يبرهن في حالات أُخرى عن جدارات أسلوبية لافتة تستحق أن تحتذى.
                              لكن عليّاً (ع) لم يكن ـ رغم كل ما أوتى من ميل للدعابة أحياناً ـ، راغباً بأن يبتعد عن رسالته السامية لحظة واحدة في التربية والإصلاح والتعليم والتوجيه إلى الأفضل والأحسن من أجل إعلاء قيم الأخلاق السامية.
                              إنَّ طغيان الجدّية كان من وفر المسؤولية الثابت في نفس الإمام (ع)، فثمة أوجه عديدة للصدق، كذلك هناك صدق في مناسبة، وعدمه في سواها، إلا أن عليّاً (سلام الله عليه) كان صادقاً دائماً في جميع الأوجه والمناسبات، لأن أفكاره كانت تشقُّ الطبقات الكثيفة، والزيادات، والتلافيف التي تحول بين الناس والحقّ.
                              النّص في إبداعات الإمام عليّ (ع) هو الفكرة والأداة معاً، أي المضمون والشكل، في اتحادهما المتبادل الإغناء في إعطاء دلالات مؤكدة، كان الإمام يظهر نفسه فيها من جانب، ويحمّلها الطاقة التوصيلية للوصول إلى الآخرين أي المستقبلين أو المتلقين من جانب آخر.
                              نضيف هنا: أن الجانبين يتضافران في العملية الواحدة، التي تكرس صدق القضية المرادة، وتهيئ الآخرين للتجاوب مع الصدق، وعلى الإجمال: فالنّص في كتاب: (نهج البلاغة) ليس قطعة بلاغيّة ذات جمال مجرد، بل هو وظيفة مُتقنة، إنّه ثمرة التزاوج بين البلاغة والأفكار، وبمعنى آخر المعادل الموضوعي الذي ترتب عليه إنجاب أو توليد أفكار جديدة، واستحداثات لغوية وبيانية جديدة.
                              ثانياً ـ الاستقلال القائم بذاته
                              من المؤكد أنّ النّص الأدبي الذي يصبح بسبب أهميته، مُستقلاً قائماً بذاته، بعد تجاوز ظرفه، هو في حقيقته تعبير عن طبيعة صاحبه، فالرجل هو الأسلوب والأسلوب هو الرجل، وبمعنى آخر فالنّصُ هو الشخصية التي تنشئ عدة شخصيات أخرى، مُجنّدة لمهماتها المحددة.
                              وتعدُّ الكلمات في النّص الأدبي، كائنات حية لم تُبدع عبثاً، وليس من الضرورة بمكان أن تكون إنشاءات أو تعبيرات أو صياغات الكاتب أو الأديب الأسلوبية على صورته، من الناحية الظاهرية، لكن من الضروري للكاتب الحقيقي أن يكون العمق الفكري له ماثلاً في الحركة الداخلية للنّص، فإبداع دون فكر لا قيمة له بل لا وجود له في الأساس.
                              نتذكر (أبو تمّام الطائي) الذي كان يحرّك ألفاظه كأنها رجال قد ركبوا خيولهم وحملوا سلاحهم، وتأهبوا للطراد، ونتذكر (البحتري) حيث كان يحرّك ألفاظه كأنّها نساء حِسانٌ عليهن خلائل مصبغات، وقد تحلّينَ بأصناف الحليّ ، كما يقول لنا ابن الأثير الموصلي في كتابه (المثل السائر).
                              لكن شاعرنا أبا تمام كان حاضراً وراء الألفاظ والأشخاص، وكذلك البُحتري، كلاً بطبيعته الخاصة، وبخياراته الخفية الظاهرة.
                              نقول: كانت مقدرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) اللغوية والبيانية والأسلوبية، بالغة الفرادة والفراهة، غير أنّه كان يريد إصابة المعنى دائمًا بسهولة ويسر، بسبب نظرته العميقة، وأفكاره الجمّة، التي كان يصارع من أجل انتشارها بين الناس، ونظراً إلى تعدد مناحي الثروة الفكرية، وغنى طبيعة الإمام عليّ ابن أبي طالب (ع)، فإن النّص لديه جاء مُحمّلاً بالدلالات الغنية المتنوعة، فهو قمة تتويج العلاقة الحرة بين المعنى والمبنى.
                              قال الشريف الرضي في مقدمة كتاب: (نهج البلاغة): كان أمير المؤمنين عليٌّ (ع) مُشرَّع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه أُخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سَبق وقصّروا، وتقدّم وتأخروا، وأما كلامه فهو البحر الذي لا يساجل (لا يكاثر)، والجمُّ الذي لا يحافل (لا يفاخر في حفل)...
                              ويضيف الشريف الرضي: من عجائبه التي انفرد بها، وآمن المشاركة فيها، أن كلامه (ع) الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل، وَفكَّر فيه المتفكر، لم يعترضه الشك في أنّه من كلام من لا حظَّ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مُصَّلتًا سيفه....
                              ويذكر شيخنا الإمام محمد عبده في مقدمة: (شرح نهج البلاغة) مثل ذلك، قائلاً: فتصفحت بعض صفحاته، وتأملت جُملاً من عباراته، من مواضع مختلفات، ومواضيع متفرقات، فكان يخيل لي في كل مقام أن حروباً شبّت، وغارات شُنّت، وأن للبلاغة دولة وللفصاحة صولة، وأن للأوهام عرامة (شراسة)... وأن جحافل الخطابة وكتائب الذرابة (حدّة اللسان في فصاحته) في عقود النظام وصفوف الانتظام تنافح (تضارب أشد المضاربة) بالصفيح الأبلج (السيف اللامع البياض) ، والقويم الأملج (الرمح الأسمر)... فما أنا إلا والحقُّ منتصر، والباطل منكسر، ومرج (اضطراب) الشك في خمود، وهرج (هيجان الفتنة) الريب في ركود، وأن مدبّر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع).
                              ويواصل الإمام محمد عبده حديثه في مُقدّمته لشرح (نهج البلاغة) فيقول: بل كنت كلما انتقلت من موضع منه إلى موضع، أحسُّ بتغير المشاهد، وتحول المعاهد (محضر الناس ومشهدهم)، فتارة كنت أجدني في عالم يعمره من المعاني أرواح عالية، في حلل من العبارات الزاهية، تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب الصافية، توحي إليها رشادها، وتقوم منها مرادها، وتنفر بها عن مداحض (المزالق أو الأباطيل) المزال (مواضع الزلل) إلى جواد الفضل والكمال.
                              ويقول رحمه الله: وطوراً كانت تنكشف لي الجُمل عن وجوه باسرة (كالحة متغيرة اللون)، وأنياب كاشرة، وأرواح في أشباح النمور، ومخالب النسور، قد تحفزت للوثاب ثم انقضّت للاختلاب (الانتزاع بالمخلب)، فخلبت القلوب عن هواها (أبعدتها عن هواها)، وأخذت الخواطر دون مرماها، واغتالت فاسد الأهواء وباطل الآراء.
                              ويضيف: وأحياناً كنت أشهد أن عقلاً نورانياً لا يشبه خلقاً جسدانياً، فصل عن الموكب الإلهي، واتصل بالروح الإنسان، فخلعه عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى، ونما به إلى مشهد النور الأجل، وسكن به إلى عُمِّار جانب التقديس، بعد استخلاصه من شوائب التلبيس.
                              إلى أن يقول: وأنات كأني أسمع خطيب الحكمة، ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر الأمة، يعرفهم مواقع الصواب، ويبصرهم مواقع الارتياب، ويحذرهم مزالق الاضطراب، ويرشدهم إلى دقائق السياسة، ويهديهم طرق الكياسة، ويرتفع بهم إلى منّصات الرياسة، ويصعدهم شرف التدبير، ويشرف بهم على حُسن المصير.
                              نقول: ليس في أهل اللغة العربية إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب (ع) هو أشرف الكلام، وأبلغه بعد كلام المولى تعالى جلَّ عُلاه، وكلام أشرف الخلق أجمعين مُحمّد بن عبدالله الهادي الأمين w والذي أتاه ربّه من لدنه جوامع الكلم، وأغزره مادة، وأرفعه أسلوباً.
                              ويقال إن كتاب: (نهج البلاغة) للإمام عليّ بن أبي طالب (ع) يشتمل على نحو 300 رسالة، و500 حكمة، نهل من معينها: أهل الفكر، والعلم، والأدب، والإبداع، والتصوف، والزهد، والمعرفة .
                              ونقرأ في كتاب: (ثمار القلوب) للثعالبي: أن الأديب عبد الحميد بن يحيى الكاتب قال: حفظت سبعين خطبة من خطب الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ففاضت ثم فاضت، قيل له ما الذي خرّجك في البلاغة؟، قال: خطب الإمام عليّ بن أبي طالب (ع).
                              ويقول الخطيب ابن نباته الفاروقي: حفظت من الخطابة كنزاً، لا يزيده الإنفاق إلا سعة، حفظت مائة فصلٍ من مواعظ علي بن أبي طالب (ع)، وقال الشريف المرتضى في كتابه (أمالي المرتضى): كان الحسن البصري بارع الفصاحة، بليغ المواعظ ، كثير العلم، جميع كلامه في الوعظ وذم الدنيا ، وجلّه مأخوذ لفظاً ومعنى، أو معنى دون لفظ، من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، فهو القدوة والغاية.
                              ويقول أستاذنا حسن السندوبي: والظاهر أنّه (أي عبد الله بن المقفع الأديب والمترجم) تخرّج في البلاغة على خطب الأمام عليّ بن أبي طالب (ع)، ولذلك كان يقول: شربت من الخطب ريّاً ولم أضبط لها روياً، فلا هي نظام، وليس غيرها كلاماً.(1)
                              أعود بك لأقول: وكما كان كتاب نهج البلاغة للإمام عليّ مصدراً كبيراً من مصادر الأدب والبيان والبلاغة، كذلك هو مصدر عذب للرياضة الروحية والتصوّف الإيجابي في الإسلام، وهو إلى ذلك المنجم الغني الثري لأصول التوحيد والفلسفة الإسلامية (علم الكلام)، التي أوسعها علماء الكلام بعد ذلك بالشرح والتفسير، وعلى الإجمال فنهج البلاغة أحد الروافد الكبيرة للفكر الإسلامي في جميع جوانبه الاجتماعية والأخلاقية والتربوية والتعليمية والدينية وغيرها...
                              وكتاب(نهج البلاغة) سجلّ حافلٌ بعناصر تأريخية واقعية، تمدُّ الباحث والمؤرخ والمحقق بالحقيقة الساحرة الصافية، ويمثل كذلك الكثير من الحقائق المذهبية، والتوحيد، وتنزيه الخالق جلَّ عُلاه، وصفاته، والعدل، والجبر والاختيار (قضية الحرية)، وما إلى ذلك من الأمور التي لا غنى لكل مُحبٍّ للعلم والفكر والمعرفة عن معرفتها والوعي بها .
                              وليس كتاب: (نهج البلاغة)، الكتاب الجامع لخطب الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ورسائله وأقواله، والذي أطلق عليه الشريف الرضي عنوانه: أول جمع لتراث الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، فقد حظي كلام الإمام وخطبه بعناية فائقة من جانب أهل العلم والأدب، قبل عصر الشريف الرضي، فعكف فريق منهم على جمع شوارده، ونظم فرائده، حتى تألفت من ذلك مجاميع كثيرة، كما عكف فريق آخر على حفظه واستيعابه والاستعانة به في كتاباتهم وكلامهم وخطبهم، وفريق ثالث ضمّنوا مؤلفاتهم الفكرية والأدبية والتأريخية والأخلاقية، طائفة كبيرة من كلامه العذب، وكان ذلك كله هو المصدر الرئيسي الذي اختار الشريف الرضي منه هذا المجموع الذي نعرفه بين أيدينا بـ (نهج البلاغة) وانتقى منه هذه الدرر البيانية القيمة (2).
                              اعلم ـ أيها القارئ الكريم ـ أن خطبه المتداولة بين أيدي الناس، تجاوزت أكثر من 400 خطبة، وقال ابن واضح اليعقوبي المؤرخ المشهور (المتوفى 392 هـ) في كتابه (مشاكلة الناس لزمنهم): وحفظ الناس عنه الخطب، فإنه خطب بأربعمائة خطبة، حفظت عنه وهي التي تدور بين الناس، ويستعملونها في خطبهم.
                              وها هو المسعودي (المتوفى سنة 346 هـ) في كتابه (مروج الذهب الجزء الثاني) يقول لنا: والذي حفظ الناس من خطبه في سائر مقاماته، أربعمائة ونيف وثمانون خطبة، يوردها على البديهة، وتداول الناس ذلك عنه قولاً وعملاً.
                              ولعلك تذكر أنني قلت لك أن هناك جماعة من العلماء والأدباء عكفوا على جمع كلام إمام المتقين عليّ بن أبي طالب (ع) قبل أن يولد الشريف الرضي، وقد ذهبت هذه المجموعات مع الزمن كما ذهب سواها من تراثنا العربي، وبقيت أسماؤها.



                              الهوامش:
                              (1) راجع: الجاحظ، البيان والتبيين ، بتحقيق الأستاذ حسن السندوبي، الجزء الأول، ترجمته لعبد الله بن المقفع وتعليقه عليه.
                              (2) نلفت النظر إلى كتاب قيّم يمكن لأي باحث يتصدى للكتابة عن كتاب (نهج البلاغة ) للإمام عليّ (كرم الله وجهه) أن يستفيد منه، وأعني كتاب: (مصادر نهج البلاغة) للأستاذ عبد الله حسين، جزاه الله خيراً على جهده البحثي.

                              تعليق


                              • سيدتي وهج الايمان مهما سردتي ومهما كتبتي ستبقى الخطبة الشفشفية بلا سند صحيح الى ابد الابدين حتى لو سطرتي الف صفحة بدل من 10 صفحات
                                والحمد لله ربالعالمين

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X